لعل اقتناعي الشخصي بعدم أحقيتي في الخوض والحديث عن أمور بلاد تربطني بها روابط كبيرة باعتباري مسلماً وعربياً أحمل همومها وأتمنى لشعوبها كل الخير وأكتفي بالاستماع لأهل هذه البلدان من الثقات والمُنصفين من كافة التيارات، بهدف بناء صورة قائمة على حقائق، وبعيدة عن الاستقطاب وأحكام المشاعر الفاسدة والتقييم، بحيث يكون مَن ينتمي لفكرتي هو صاحب الموقف الراجح دائماً، والمختلف معي مُخطئاً، كما هو الحال في أوساطنا العربية بالذات، بصورة جعلت من مجرد الحوار صراعاً، ووجهات النظر عقائد والمختلفين محاربين، وفي بعض الأحيان تفتح باب التخوين. تجاوزت بهذه الكلمات الإطار، ولكن بصفتي أحد مَن كانوا يتابعون فتح الله غولن، قديماً كنت أتابع في بعض الأحيان دروسه الدينية المصحوبة بالترجمة الموجودة على موقع اليوتيوب حتى إنني في بعض الأحيان قاربت على البكاء من طريقة حديث الرجل الهادئة ونبرة صوته المؤثرة في النفوس. وبطبيعة المرحلة كطالب في الجامعة لم ألتزم بمعايير موضوعية في التقييم، أو حتى بحث بسيط عن الرجل وعناوين من تاريخه وأهم مواقفه من قضايا الأمة، وبشكل خاص قضيتنا الأم فلسطين. انجرفت بما وقع على نفسي من تأثير ووضعت الرجل في مكانة كبيرة كما كان الحال مع أقرانه من العلماء العرب والعجم. وبطبيعة الحال قبل ثورة يناير/كانون الثاني وبعدها لم يمثل الرجل حالة حوار مجتمعي في مصر، وتوقف ذكره عند أنه رجل صالح منشغل وجماعته التي أطلقها عام 1971 من مدينة إزمير التركية بشأن بلاده ويسعى لإحياء القيم الدينية في المجتمع التركي. كان قرار الحكومة التركية الصادر بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 بإغلاق مراكز الدروس الخصوصية المنتشرة بشكل كبير جداً بمثابة شارة بدء جماعة الخدمة الحرب على الحكومة، والتي تمثلت في المانشيت الرئيسي لجريدة زمان المملوكة للجماعة بعنوان (انقلاب كبير على التعليم)، ومارست ضغوطاً على الحكومة للتراجع عن القرار. ظهر جلياً أن الجماعة هي مَن تدير هذه المراكز، وأنها تولي اهتماماً كبيراً بالخدمات التعليمية وتنشئة أجيال تؤمن بأفكار مؤسس الجماعة المقيم في أميركا منذ عام 1998. رفضت الحكومة التراجع عن القرار، ولديها من الأسباب المعتبرة ما يجعلها تُصر عليه، وتتمثل في تأثير هذه المراكز السلبي على العملية التعليمية في المدارس الحكومية، وعمل هذه المراكز بعيداً عن أي رقابة حكومية بإدارة جماعة بدأت تظهر أهدافها وطموحاتها. لم يمر أكثر من شهر على القرار حتى انطلقت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2013 عملية تسريبات لقيادات في الدولة صاحبتها عمليات توقيف 4 وزراء وعدد من الشخصيات ورجال أعمال مقربين من حزب العدالة والتنمية، ومحاولة اعتقال نجل رئيس الوزراء حينها بلال طيب أردوغان، ورئيس بنك HALKBANK ورجل الأعمال الإيراني رضا ضراب. أعلنت الحكومة أن ما حدث هو محاولة انقلاب قضائي نفذته جماعة الخدمة بما لديها من أدوات داخل أجهزة الدولة، وأطلقت الحكومة على تلك العناصر بالكيان الموازي. ردت الحكومة التركية على هذه المحاولة بعملية توقيف واسعة وطرد المتورطين فيها من وظائفهم الحكومية. بالتأكيد حاولت أن أستوعب ما يحدث أو أصل إلى صورة شاملة لطبيعة ما يقال، ولكن أحداث الشأن المصري كانت قاسية على نفوسنا بشكل يصعب علينا معه متابعة ما يحدث حولنا، واتخاذ موقف مبني على حقائق وواقع نستطيع من خلالها ولو بالكلمة مساندة من معه الحق أياً كانت الاختلافات معه، وتركت موعد البحث حتى يأذن الله وتأتي فرصة مناسبة، وتخف حدة المعاناة التي نعيشها في مصر. جاءت ليلة 15 يوليو/تموز 2016 بمحاولة منع سطوع شمس الحرية مرة أخرى في تركيا وما تبعها من أحداث وردود فعل داخلية ودولية أسقطت ورقة التوت الأخيرة التي كانت تُعيق رسم الصورة كما هي، ويتبقى فقط لمسها للتعرف على طبيعتها. أبى الشعب التركي الاستسلام وانتصر، وأعلنت الحكومة هوية منفذي هذه المحاولة، واتضح من واقع التحقيقات أنها جماعة الخدمة وكيانها الموازي داخل أروقة الدولة من قامت بمحاولة الانقلاب. هذه المرة كانت مختلفة من حيث التأثير باعتباري كنت داخل الحدث وعايشت أجواء الشجاعة والخوف والإقدام التي ملأت شوارع تركيا، وأعلنت إسقاط الانقلاب، وقررت بدء البحث في تاريخ الجماعة منذ تأسيسها وأهداف زعيمها ومواقفهم من القضايا العربية والإسلامية وطبيعة ما تربطها من علاقات مع النظام المصري الحالي. رفع من درجة التأهب ما صرح به رئيس الشؤون الدينية في الجمهورية التركية عندما تواصل مع المشايخ المقربين من النظام المصري، ومنهم الشيخ علي جمعة بهدف وقف ما يحدث من عمليات قتل بحق الشعب المصري وضرورة الحوار حقناً لدماء المسلمين، واتفقوا على الاجتماع في الأردن، وبعد انتهاء المكالمة بوقت قليل جداً اتصل برئيس الشؤون الدينية أحد مساعدي فتح الله غولن، وأبلغه بأنه علم باتصاله بالشيخ علي جمعة! مَن الذي أبلغه في الوقت الذي لا يعرف عن المكالمة سوى مَن تحدثوا مع بعضهم؟ تعددت دوافع البحث وعدم الاكتفاء بما عايشته من حقائق، فانطلقت نحو كل المصادر التي تمكنني من صورة واضحة ورؤية شاملة قبل أن أرى إجابة السؤال التي أصبحت واضحة للجميع داخل المجتمع التركي ولكن في بلادنا ربما لم تتوفر لنا حتى الآن، هل هي جماعة خدمة أم خدعة؟ ___________ المصادر: 1- 2- ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.