كنت متابعاً جيداً لكرة القدم لأكثر من 25 عاماً ثم قررت في السنين الأخيرة الابتعاد عنها؛ لاهتمامي بهوايات أخرى. كنت طوال متابعاتي لمباريات كرة القدم شغوفاً جداً بالخطط والتشكيل والأداء في الملعب أكثر من الأهداف والفوز والهزيمة فقط. لكن بعد هذه الفترة من الابتعاد، جاءني الحنين إلى ربط ما كنت أتابعه بشغف قديماً بشغفي الجديد، وهو علم الإدارة وعالم الأعمال. سبب آخر لكتابة هذا المقال أيضاً، هو أنه خلال قراءتي عن التفكير والتخطيط الاستراتيجي، وجدت مديري الشركات الكبرى يعزون نجاحهم في تحقيق أهدافهم داخل المنظمات التي يرأسونها إلى تفكيرهم في هوايتهم كمخزون خبرات، فأكثرهم أكد أن خبراتهم الحياتية وهوايتهم خارج العمل أعطتهم قواعد ودروساً يرجعون إليها عندما تواجههم معضلة أو تحدٍّ جديد في بيئة العمل. لذا تخيلت لو أن المدير الفني لفريق كرة القدم والمدير التنفيذي اجتمعا في مكان ما، ما هي القواعد التي يمكن استنباطها من كرة القدم لتفيد الإدارة؟1- لا مفر من العمل من خلال اللاعبين لن تسعفك إمكاناتك المادية من عمل كل شيء بنفسك؛ فاللعبة تحتاج إلى مجهود 14 لاعباً يتكامل بعضهم مع بعض للوصول للهدف المرجوّ. دورك الهام، هو نقل رؤيتك وخططك إليهم لتنفيذها بأنفسهم في الملعب. رغم وضوح ذلك في كرة القدم، يظن بعض المديرين أنهم يستطيعون عمل كل شيء بمفردهم، ومن ثم يبدأون في الجري وراء المهام وتهميش الموظفين وإعطائهم مهام قليلة الأهمية، مع أنه تم توظيف هؤلاء العاملين للتنفيذ من الأساس. ومن هنا، تأتي فكرة القيادة من خارج الملعب، فالمدرب كالمدير يقود فريقه للفوز من خلال موظفيه، من دون أن يقوم بكثير من مهام العمل بنفسه؛ حتى لا يغرق في التفاصيل.2. يتمحور الأداء حول جودة اللاعبين المختارين رغم المذهب الرائج أن الأداء الجماعي قد يعوض نقص المهارات والخبرات لدى اللاعبين، فإنه في عالم كرة القدم -كما في عالم الأعمال- يأتي ذلك في المرتبة الثانية من حيث الأهمية للوصول لأداء عالٍ. فمن دون لاعبين ذوي لياقة ومهارات عالية وخبرات جيدة ، لن يتم تنفيذ خطة العمل بشكل مُرضٍ. السر الكبير أو الكلمة المفتاحية هنا هي المنافسة. فهؤلاء اللاعبون يلعبون في بيئة شديدة التنافس؛ ما يتطلب نوعيات مهارات خاصة لكل مركز.3. العمل تحت ضغط متواصل أصبح سمة عامة "ينفد صبر الإدارة العليا سريعاً إذا لم ترَ الفوز يتحقق سريعا"، فلن تعترف الإدارة بأن المدرب تسلَّم الفريق في حالة سيئة أو أن كثيراً من المراكز تحتاج لتدعيم أو أي شيء من هذا القبيل. ومن ثم تبدأ الانتقادات من الإدارة داخل الغرف المغلقة بجانب الانتقادات العلانية من الصحافة والإعلام والجمهور، عن القصور في رؤية المدرب أو عدم مناسبة خطته أو ضعف إدارته وتبديلاته خلال المباريات. في عالم الأعمال أيضاً، ينصبّ التركيز على نتائج المديرين لتحقيق مكاسب سريعة، كنسب زيادة المبيعات أو امتلاك حصص سوقية أكبر أو زيادة الإيرادات السنوية. لذا الشكوى من الانتقادات والضغط ليس لها معنى هنا، فيجب أن تتوقع حجم الضغوط التي ستمارَس عليك قبل قبولك مهمة قيادة فريق أو منظمة.4. التغييرات الجذرية هي التي تفيد كما أسلفنا، لن ينتظر أحد بناء فريق جديد ليحقق نتائج بعد ذلك. فالعمل بطريقة التحسينات والتدرج في التغيير قد تؤدي إلى نتائج جيدة على المدى الطويل، لكن النتائج السريعة لا تتم إلا من خلال التغييرات الجذرية الكبيرة. تحمل هذه الطريقة مخاطرة كبيرة؛ لأنه إذا استجابت الإدارة لتلك التغييرات التي تنطوي على تكاليف كبيرة في الغالب، فذلك يرفع سقف توقعات الجميع. ففي كرة القدم، يكون شراء اللاعبين أصحاب الأسعار المرتفعة واستبعاد اللاعبين أصحاب المستوى المنخفض- هو الهم الشاغل للمدير الفني، كما أن اقتناص الموظفين أصحاب الخبرات العالية، والمرتبات العالية أيضاً، هم المديرون التنفيذيون لتعزيز الأداء. أخيراً، أودُّ أن أقول إن علم الإدارة -بالطبع- لا يمتلك شعبية رياضة ككرة القدم، لكن هناك الكثير من المناطق المشتركة تستطيع الإدارة شغلها بوصفها علماً إنسانياً يبحث في كيفية التنفيذ بكفاءة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.