دارامسالا (الهند) - قبل طلوع الفجر على جبال هملايا الهندية، تتشكل طوابير الانتظار أمام باب ييشي دهوندن وهو من أبرز المعالجين بطب التيبت التقليدي المعتمد على الادوية، اذ يأتيه مرضى من العالم أجمع. ومع أن هذا الطب البديل العائد إلى قرون عدة يثير شغفا متجددا يتخطى حدود آسيا، لا يزال المجتمع العلمي ينظر إليه بريبة في وقت تسعى الهند والصين إلى الاستفادة من تنامي شعبيته. ويقوم ييشي دهوندن الذي كان معالجا للدالاي لاما لأكثر من ثلاثة عقود، بالضغط على أصابع مريض ومعصمه الأيسر قبل أن يحني رأسه لسماع نبضه عن قرب. ويقول الراهب البوذي البالغ من العمر 92 عاما "لا أجري فحوصا مثل الأشعة السينية أو ما شابه. أثق بقدراتي. أفحص فقط النبض والبول". وتراوح التقنيات القديمة التي يستعين بها لمعالجة شتى أنواع الأمراض من الفصد (إجراح الدم) إلى وضع الأعشاب على نقاط محددة تشكل مصادر للطاقة في الجسم. ويأتي آلاف المصابين بأمراض سرطانية وأخرى دماغية انتكاسية وأنواع مختلفة غيرها لاستشارته في عيادته في مدينة ماكلود غانج الجبلية في شمال الهند حيث لجأت حكومة التيبت في المنفى. ويقول ييشي دهوندن في عيادته المزينة بمخطوطات من التيبت وصور للدالاي لاما باسما "إذا ما جاء المرضى إلي، سأعتني بهم". طاقات داخلية ويؤكد أنصار طب التيبت التقليدي على مزاياه الكبيرة غير أن قلة من الدراسات العلمية أجريت في شأن حقيقة فعاليته. ممارسات هذا الطب البديل مستقاة من أربعة نصوص تأسيسية أو "تانترا" انبثقت عنها مدرستان طبيتان منفصلتان هما شاكبوري ومين تسي خانغ. وتحصي نصوص التانترا هذه آلاف الأمراض. وهي توصي لكل واحدة منها بخليط من الأعشاب والمواد المعدنية موجودة عموما على مرتفعات هملايا. ويوضح تسيوانغ تام دين وهو طبيب في جناح مدرسة مين تسي خانغ في ماكلود غانج، وهي من المؤسسات الكثيرة من هذا النوع في الهند، "نحن نؤمن بأن الأمراض سببها اختلال في توازن طاقاتنا الداخلية". ويحمل تام دين مطرقة صغيرة مذهبة واصفا كيف يعمد المعالجون إلى تسخينه ثم يضعونه على بعض النقاط في الجسم لتخفيف الألم ومعالجة بعض الأعراض المتكررة من دون الاستعانة بتقنيات الطب المعاصر. ويقول "الفكرة وراء نظامنا الصحي هي أن أحدا لا يجب أن يتناول أدوية طوال حياته لمعالجة مشكلات مزمنة مثل التهاب المفاصل أو السكري". منافسة هندية صينية ويثير طب منطقة التيبت، على غرار أنواع كثيرة أخرى من الطب التقليدي في آسيا، الريبة في الغرب لدى الأوساط الطبية الرسمية. ويقول طبيب القلب الهندي د. برابهاكاران إن أحد أسباب تزايد شعبية هذا الطب التقليدي في آسيا ومناطق أخرى حول العالم يكمن في "مشاعر التعاطف الكبيرة في طب التيبت مع المريض، وهو مصدره الفكر البوذي". لكن نظرا إلى عدم وجود توحيد للمعايير وتجارب سريرية، لا يزال هناك طريق طويل يتعين اجتيازه ليدخل هذا الطب حقيقة في العادات الغربية وفق برابهاكاران. وتسعى الصين والهند إلى تعزيز موقع طب التيبت التقليدي والاستفادة من شعبيته المتزايدة: ففي ابريل/نيسان، تقدم كل من هذين البلدين الآسيويين العملاقين على حدة بترشيح أمام منظمة يونسكو لإدخال هذا الطب على قائمة التراث غير المادي للإنسانية. وتبقى مسألة التيبت وشعبها قضية حساسة بين البلدين. وتستضيف الهند على أراضيها الزعيم الروحي للتيبت الدالاي لاما وجالية كبيرة من أهالي هذه المنطقة، منذ فراره في وجه القوات الصينية سنة 1959. وتعترف نيودلهي منذ سنة 2010 بهذا الطب التقليدي ما يفتح لهذا النوع العلاجي أبواب المؤسسات الاستشفائية في الهند ويسهل الاستثمارات والبحوث في هذا المجال. وهذا نبأ سار بالنسبة لمحبي هذا الطب التقليدي كعبدالرحمن البالغ من العمر 60 عاما والذي فضّل طوال حياته هذا الطب البديل على الطب الحديث. ويقول هذا الرجل خلال جمعه أقراصا بالأعشاب من عيادة في ضاحية راقية في نيودلهي "كنت أعاني أعراض رشح متكررة لكني شفيت منها خلال سنة".