×
محافظة المنطقة الشرقية

ترامب: إيران لن تملك السلاح النووي بتاتاً

صورة الخبر

«لساني مشغول بالثمرة. لا أستطيع أن أغنّي وأن أقضم اللوز الأخضر معاً... قلبي دافئ يُخمّر العجين ولساني مُولّه بالثمرة».يأتي موسم الروحانيات في صيف قائظ واحتقانات طائفية. وحين يضيق الرأس بحمى التلفزيون، أو يعجز الفكر عن حل شبكة السياسات المتقاطعة، يطيب اللجوء إلى حضن الشعر. أفضل مائة مرة من الحبوب المهدئة. وألف مرة من متابعة المتزاعقين على الفضائيات. أما المقطع أعلاه فهو من الإضمامة الشعرية الأخيرة لزكريا محمد. عنوانها «علندى». ما المعنى أيها الشاعر؟ أقرأ القصائد لأفهم، وأقع على هذا المقطع:«أداوي نفسي بالنار وبالشَبّة. بثمار العلندى. أخسر شيئا وأكسب شيئا. أخسر الوزن وأكسب الفراغ الذي خلّفه. أخسر يدي وأكسب جبيني».العلندى، إذاً، شجرة مثمرة. أسأل عنها الموسوعة الإلكترونية فتفيدني بأنها جنس نباتي من شعبة الجنتويات، توجد بعض أنواعه في مناطق من الوطن العربي وحوض البحر الأبيض. ومن أسمائه، أيضاً، القعود. أما اسمه باللاتينية فهو «فيدرا». أعثر، أيضاً، على مقال للباحث مصطفى محمد ديب، يقول فيه إن «العَلندى شجيرة قائمة أو زاحفة، كثيرة الأغصان، شاحبة الخضرة، تميل إلى الرمادي المُزرقّ، دواميّة، دورانيّة، مُحزّزة، تشبه خصلة منبثقة من جذر رئيسي، مُفترشة ثم تنهض قائمة نحو الأعلى». وصف يصلح، برأيي المتواضع، أن يكون قصيدة أخرى. ويخبرنا الباحث أنه رأى منها شجيرتين لا ثالثة لهما، في محمية نباتية في الكويت.يا فرحة ما دامت. فالمعجم الوسيط يقول إن العَلندى والعَلنْدَد هو البعير الضخم الطويل، والأنثى علنداة. ويقال مُعلندد للبلد الذي ليس به ماء ولا مرعى. ما لي وللمعجم الذي انتوى أن يفسد علي متعة الشعر؟ يتراءى لي زكريا محمد، فيما يشبه الحلم المُضبب، خارجاً من حديقة منزله في رام الله، سائراً بين بيوت مشيدة بالحجارة البيضاء. ثيابه بيضاء وشعره أبيض وشجيرات الياسمين على الأسيجة تزهر بالبياض. كيف لا تنثال عليه غوايات القصائد مع كل خطوة؟ أراه يتلقفها ويدسها في جيب الصدر لكي يسجّلها فيما بعد. يصل إلى مركز خليل السكاكيني للثقافة ويلمح في شرفة مقابلة امرأة كأنه يعرفها. يبتهجان ويتشاركان الكعك بالسمسم والزعتر.مرض زكريا وقاوم وخرج من التجربة بطبع الزاهد المنصرف إلا عما يوسوس به شيطان الشعر. صار يؤمن أن الحرية هي التخلص من فكرة كانت تسيطر عليه أثناء الكتابة. أن هناك قراء يطلبون منه نمطاً معيناً يحبونه من الشعر. كان عليه أن يبذل جهداً لكي يطرح عنه هاجس التوقعات ويصل إلى حالة الزهد التي هو فيها. يكتفي بأن يكتب ما يُرضيه ويطلع من ثنايا روحه.يخطو الشاعر متمهلاً في طرقات رام الله التي تصوم وتقاوم وتشرب الماء بالملح تضامناً مع سجنائها. يصعد الهضبة المؤدية إلى متحف محمود درويش، صديقه الذي كان موقناً أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة. وفي الساحة المرصوفة بالرخام الأبيض، يقف زكريا محمد يتأمل الأشجار التي تحني أغصانها فوق الضريح. يلتفت ويرى المدينة تنفرش بمبانيها الجديدة تحت عينيه. إنه يحب أحياءها القديمة. ينحدر إلى أزقتها ويمرّ على مسجد مُظلل بعرائش العنب، ومكتبة رطبة، وكنيسة آمنة، ومدرسة يتعلم فيها الأولاد والبنات العزف على الكمنجة. تستوقفه سيدات للتحية والسلام، ويتبعه شعراء من الشباب في جولته. أهؤلاء هم الغاوون؟ يستريح في ركن أليف ويفتح لي كفّه بستّ تمرات من نخلة البيت. لم ينسَ توق العراقيين إلى الخستاوي.أتذوق التمرات تذوّقي للقصائد. أعود إلى علندى وأقرأ: «اسمي هو الأوس واسمي هو الخزرج والحراب المركونة تحت النخل لي. شقّوا لي التمرة شقّين. أريد أن أبني عريشي بينهما. إصبعان اثنان يكفيان لكي يشقّا تمرة. يكفيان لكي يشقّا أمّة. عصا واحدة تكفي كي تفلق الصخرة».