بلغت العلاقة بين رئيس الحكومة سعد الحريري، ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، مرحلة غير مسبوقة من التأزم ووصلت إلى حدّ الاتهامات المتبادلة بالفساد والإفلاس، وهو ما بات يهدد التحالف السياسي القائم بين الرجلين منذ العام 2005، خصوصا أن الخلاف بينهما هذه المرّة بدا أقرب إلى المواجهة سواء في الاستحقاق الانتخابي، أو في التجاذب على الوظائف في الإدارات العامة.مؤشرات الافتراق بدأت مع تباعد الطرفين، حيال قانون الانتخابات العتيد، وتحفّظ جنبلاط على مواقف الحريري وتأييده لمعظم مشاريع القوانين التي قدّمها التيار الوطني الحرّ ورئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، والتي لم تراع خصوصية الزعيم الدرزي بالتقسيمات الانتخابية في دوائر جبل لبنان، وسبق أن عبّر قياديون في الحزب التقدمي الاشتراكي عن مرارتهم من الخيارات السياسية التي ذهب إليها رئيس الحكومة، سواء بعلاقته مع رئيس الجمهورية ميشال عون، أو بانفتاحه على باسيل، وبروز مؤشرات على تحالف انتخابي بينهما.الخلافات التي بقيت مضبوطة على إيقاع التهدئة الإلزامية، انفجرت في الساعات الأخيرة، على خلفية تغريدة جنبلاط على صفحته على موقع «تويتر»، التي سأل فيها «لماذا لا تمر جميع المناقصات على إدارة المناقصات، لمنع حيتان المال وحديثي النعمة والمفلسون الجدد من نهب الدولة وإفلاسها؟»، قاصداً بـ«المفلسون الجدد» الحريري، استناداً إلى الأزمة المالية إلى يمرّ بها. لكن ردّ الحريري لم يتأخّر حيث قال: «نعم أنا من المفلسين الجدد، ولكني لم آخذ قرشاً من هذا البلد، بينما غيري (قاصداً جنبلاط وقوى أخرى في السلطة) كسب في السابق قروشاً من البلد ويكسب اليوم، سأحاربهم إلى آخر دقيقة، ومن يريد أن يتعاطى معي على هذا النحو فليبلط البحر».هجوم الحريري المعاكس الذي اتسم بالحدّة والقسوة غير المعتادة، استدعى تغريدة أخرى لجنبلاط قال فيها «إن تبليط البحر من اختصاص سوليدير (شركة سوليدير التي تستثمر وسط بيروت التجاري، المملوكة بمعظمها من الحريري)، والأفضل قبل الانفعال سؤال خبير الأفلاك إبراهيم حزبون لمعرفة الكوكب المناسب للتبليط». ورأى جنبلاط أن «تأثير زُحل كان طاغياً على حساب أورانوس، الأمر الذي تسبب بسوء تقدير الردم، من صفاء الذهن وبالتالي الانفعال».ورغم قساوة التراشق الكلامي وسوق اتهامات من العيار الثقيل، فإن سياسيا مقربا من الزعيمين، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاختلاف في وجهات نظر الحريري وجنبلاط، لا يعني خلافاً جذرياً»، متوقعاً أن «تعود العلاقة إلى طبيعتها قريباً، لأن لا مصلحة لأحد بخصومة مع الآخر». واستشهد السياسي الذي رفض ذكر اسمه بـ«الفتور الذي مرّت به علاقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بوليد جنبلاط أحياناً، لكن سرعان ما كانت تعود المياه إلى مجاريها»، مذكراً بأن «كل التحالفات السياسية القائمة على ضفتي (8 و14 آذار)، لم تصمد كما صمد التحالف بين تيار (المستقبل) والحزب التقدمي الاشتراكي، إن لجهة مقاربتهما المشتركة للملفات المصيرية، أو في الانتخابات النيابية والطلابية والنقابية».ولم يكن خلاف اليوم حالة فريدة، إذ سبق أن مرّت علاقة الحريري وجنبلاط بفتور طويل، على أثر إعلان جنبلاط خروجه من صفوف فريق «14 آذار» ودخوله في حكومة الرئيس نحيب ميقاتي، التي فرضها «حزب الله» على أثر الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري مطلع العام 2011. لكن في ذروة التباعد بين الطرفين، سجّل الحريري موقفاً دان فيه بالوفاء للزعيم الدرزي، حيث قال: «مهما كانت الخلافات لم ولن أنسى وقوف وليد جنبلاط إلى جانبي، على أثر اغتيال والدي الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأنه (جنبلاط) شكّل رأس حربة المواجهة في (14 آذار) التي أدت إلى خروج الجيش السوري من لبنان». وورث الرئيس سعد الحريري علاقته مع جنبلاط عن والده، الذي كان ملماً في امتصاص الصدمات السياسية التي تأتيه من الخصوم، وكان قادراً على إزالة الالتباسات بسرعة قياسية.بدوره وصف النائب السابق أنطوان اندراوس (النائب السابق لرئيس تيار المستقبل)، ما يحصل بين الحريري وجنبلاط بـ«الخلاف المرحلي»، مؤكداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التحالف الاستراتيجي على العناوين الوطنية والسيادية بينهما لن يتأثر». وشدد اندراوس على أن «لا طلاق ولا افتراق بين الحريري وجنبلاط، لأن الافتراق ليس من مصلحة أحد، ولا شيء يدوم في السياسة».ولفت النائب السابق أنطوان اندراوس، إلى أن «علاقة الحريري وجنبلاط، ستبقى أبعد وأعمق من التحالف الانتخابي»، لافتاً إلى أن «الحلف الانتخابي لا يتعدى مقعدين نيابيين، حيث يوجد نائب واحد لتيار (المستقبل) في الشوف (محمد الحجار)، حيث الثقل الانتخابي للحزب الاشتراكي، مقابل مقعد واحد للحزب الاشتراكي في بيروت (غازي العريضي) حيث الثقل الانتخابي لتيار المستقبل»، داعياً إلى «عدم المراهنة على طلاق سياسي بينهما».