×
محافظة مكة المكرمة

جامعة الطائف تعتمد تخصيص 7604 طالباً وطالبة

صورة الخبر

لم يحسن أهل الطائف استقبال النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنهم طاردوه في شوارعها، وأغروا به الأطفال والصبيان، الذين أدموا قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحجارة، وشجوا رأس زيد بن حارثة، وما زالوا يتعقبانهما حتى دخلا بستاناً واحتما به. وفي هذه اللحظة التي تصل فيها النفس البشرية إلى أشد ما يكون ضعفها، وتصبح في حاجة إلى النصرة أكثر من أي وقت مضى، وتتداعى أمامها كل آلامها وآهاتها، يكون الحنق والضيق والرغبة في الانتقام هو المعادل النفسي، والطبع الجبلي الذي فطر الله الناس عليه، وهذا ما تنزلت به الرحمة الإلهية شفقة وعناية بمحمد بن عبدالله، الذي دعا ربه فقال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله». فجاءه جبريل قائلاً: «إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد.. إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟». إن هذا الحل الذي يعرضه ملك الجبال يمثّل عقوبة الاستئصال ضد الذين أسالوا دم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعد شفاء للنفس الموتورة التي ما زالت تعاني الظلم الواقع عليها وما زالت آثاره تطلب ثأراً، لكن نفس النبي -صلى الله عليه وسلم- ترفض ذلك وتقول: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً». إنها الرحمة التي أرسلها الله للعالمين، الرحمة الكامنة في النفس التي اختارها الله تعالى لبلاغ دينه للناس جميعاً، والرؤية المستقبلية التي يراها الرسول الكريم، ويستشرف معها أمة تخرج من بين أظهر الذين رفضوا الإيمان ابتداء، أمة قال عنها الله تعالى: {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. ومن هنا، رفض النبي -صلى الله عليه وسلم- عقوبة الاستئصال الجماعي، أو حتى فكرة الاعتزال، أي النأي بنفسه بعيداً عن أذى المشركين ومكرهم به، طلباً لحماية النفس وصيانتها، وقرر أن يواجه، وأن يدخل مكة ثانية، وإن كان بغير الوجه الذي خرج به.;