تَسْمَع وتَقرَأ كَثيرًا مُفرَدة «الثَّوابِت»، وهي كَلِمَة بَرَّاقَة، وفِي الوَقتِ ذَاته خَدَّاعَة، لأنَّها عِبَارة تَتحمَّل المَفاهيم الدَّخيلَة، وبإمكَانك إدخَال أَي فِكرَة تَمتَاز بالقِدَم، وتَجعلهَا مِن الثَّوابِت.. وحَتَّى لَو طَالبتَ بحَصر مُكبِّرَات الصَّوت عَلى الأذَان والإقَامَة، لقِيل لَك: «اتَّقِ الله، إنَّ مُكبِّرات الصَّوت صَارت مِن ثَوابِتنا»..!لقَد أَبدَع الدّكتور «أحمد البغدادي» -رَحمه الله- فِي كِتَابه: «أَحَاديث الدِّين والدُّنيَا - الوَاقِع المُفَارِق للنَّص الدِّيني»، حِين تَنَاوَل الثَّوابِت بقَوله: (إنَّ كُلَّ مَا يَتعلَّق بالدِّين، هو مِن الثَّوابِت التي لَا يَجوز المَسَاس بِهَا، تَصرِيحًا أَو تَلمِيحًا، وهي مِن تَدَاعيات «القَدَاسَة»، لَكن هَل يُوجد «ثَابت» فِي أمُور الدِّين المُتعلِّقَة بالحيَاة، خَاصَّة فِي مَجَال الأَحكَام الدِّينيَّة؟. إنَّ طَبيعة الحَيَاة المَليئة بالحرَاك الحيَاتي، تَجعَل مِن المُستَحيل «ثَبَات» الأَحكَام، وقَد أَثبَتَ الوَاقِع الإسلَامِي ذَلِك، مِن خِلال العَديد مِن الأَمثِلَة، فالأحكَام تَتغيَّر جُزئيَّاتها، بفِعل الأحدَاث الحيَاتيَّة اللامُتنَاهيَّة، فِي مَجَالَات العقُوبَات، والتِّجَارة، والأحوَال المَدنيَّة والاجتِمَاعيَّة، وسنُحَاول فِي هَذا الحَديث إثبَات عَدَم حَقيقة «الثَّوابِت» فِي الحيَاة الإنسَانيَّة المُتغيِّرَة، حَتَّى وإنْ كَانت دِينيَّة، الثَّوابِت ثَابِتَة، سَاكِنَة، والحيَاة دِينَاميكيَّة مُتحرِّكة، ولَا يُمكن -مَنطقيًّا- أَنْ يَتحكَّم الثَّابِت فِي المُتحرِك، مِن نَاحيةٍ أُخرَى، لقَد أَثبَت وَاقِع الحيَاة -فِي المُجتمعَات المُسلِمَة- استحَالة تَطبيق نَصٍّ ثَابتٍ، وبشَكلٍ دَائِمٍ)..!حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!بَقي القَول: إنَّ هَذا النَّصَّ وأَمثَاله، يَفتَح البَاب وَاسِعًا؛ مِن أَجْلِ مُنَاقشةِ الثَّوابِت وتَحديدهَا، لأنَّنَا لَن نَستَطيعَ أَن نُحدِّثَ الأنظِمَةَ ونُطوِّرها، إلاَّ إذَا عَرفنَا الفَرقَ بَين الثَّابتِ والمُتحوِّلِ، أَو الثَّابِتِ والمُتغيِّرِ.. أَتمنَّى أَن يَنبَريَ لهَذا الجُهدِ الشَّاقِّ، فَيْلَقٌ مِن الفُقهَاءِ، ليُحدِّدُوا لَنَا تَعريفَ الثَّابِتِ، وتَعريفَ المُتحوِّلِ، خَاصَّةً ونَحنُ نَعيشُ فِي زَمن المُتغيِّرَاتِ، لَا زَمَن الثَّوابِتِ والمُسلَّمَاتِ..!!