×
محافظة المنطقة الشرقية

«نازحات الموصل» لا يستطعن إرضاع أطفالهن وكريستينا مع عائلتها بعد 3 أعوام من الخطف - خارجيات

صورة الخبر

لا تنتشر كثيراً في الفنون التشكيلية الحديثة والمعاصرة وفي العديد من التيارات التشكيلية، تلك «الموضة» التي كانت حاضرة في الحياة الفنية الفرنسية، وفحواها أن يقوم فنان ينتمي الى تيار أو جماعة ما، برسم لوحة جماعية تضم العديد من أعضاء ذلك التيار في نوع من العمل التذكاري الذي يسجل لحظة خالدة. ونعرف أنه منذ فانتان - لاتور في القرن التاسع عشر، تكاثر هذا الفن الذي من المؤكد أن اختفاء التيارات التصويرية في الفن، والحضور المدوّي للتصوير الفوتوغرافي، كانا من بين العوامل التي قضت عليه. وعادة ما كان يقال أن من يقوم برسم لوحة كهذه كان يعتبر الفنان الأضعف في ذلك التيار، بحيث أنه يتعمد تحقيق اللوحة كي يضع نفسه فيها فيخلد مع الخالدين. بل كان يقال أيضاً أن غالبية تلك اللوحات كانت تُرسم من الخيال لا انطلاقاً من مثول الفنانين ميدانياً، ما يجعلنا أقرب الى ما نسميه اليوم بـ»الفوتوشوب». ويقيناً أن «النسختين» اللتين حققتهما الرسامة الفرنسية ماري لورنسان من لوحتها «أبولينير ورفاقه» تنتمي الى ذلك الواقع، حيث يرى النقاد أن الفنانين الذين تجمعهم في اللوحة راسمة نفسها بينهم وهي تعزف البيانو لم يتجمعوا معاً في حقيقة الأمر. > مهما يكن من أمر، لا بد من القول أن هاتين اللوحتين، المتشابهتين الى حد كبير، تبقيان شاهدتين على مرحلة وعلى زمن، كما على حضور متزامن لعدد من المبدعين الذين يسجّل وجودهم معاً لحظة تاريخية انعطافية في تاريخ الفن في فرنسا، ذلك التاريخ الذي تأتي هذه اللوحة لتذكّرنا مجدداً - إن كنا ننسى هذا - بأن الحركات الفنية الحداثية التي انصنعت في باريس في حقب متفرقة لتعمّ العالم بعد ذلك، إنما كانت أصلاً من نتاج مبدعين ينتمون، حتى وطنياً الى مناطق متفرقة من العالم، وكانت باريس الحيز المكاني والحضاري الذي جمعهم. > في اللوحة الأشهر بين النسختين، والتي نقدّمها هنا، والمعلقة اليوم في متحف الفن الحديث بمركز جورج بومبيدو وسط العاصمة الفرنسية، والبالغ ارتفاعها 130 سم مقابل عرضها البالغ 194 سم، تجمع الرسامة من حول الشاعر (والناقد الفني المشهور في ذلك الحين) غيّوم آبولينير، عدداً من أبرز الأسماء في الحركة الإبداعية الفرنسية، وهم من يمين اللوحة الى يسارها: الأميركية جرترود شتاين، والفرنسية فرناند أوليفييه، وتلي هذه ملهمة مجهولة الهوية لواحد غير محدد من الحاضرين، ثم غيّوم آبولينير نفسه - الذي كان، كما سنرى بعد قليل، عشيق لورنسان على الأرجح - ثم بابلو بيكاسو فالشاعرة مرغريت جيّو والبلجيكي موريس غريمتز وصولاً الى ماري نفسها. > لقد جاءت هذه اللوحة لتسجل لحظة تاريخية ارتأت ماري لورنسان تسجيلها لثلاث غايات واضحة: أولاً، إظهار أهمية آبولينير المركزية في الحياة الفنية في باريس، ثانياً إظهار حضورها هي نفسها وانتمائها الى تلك الحركة ذات البعد التكعيبي إنما الأيقوني مع خليط من السمات «الزنجية» التي كان بيكاسو يخوضها يوم إنجاز هذه اللوحة في عام 1909. وأخيراً التعبير، إنما غير المباشر كما يبدو، عن عالمية باريس كما أشرنا. وبقي أن نتساءل هنا، في ما وراء القيمة التاريخية للوحة، عن قيمتها الفنية. ومن الواضح أن علينا للوصول الى قرار هنا، ألا نتكل كثيراً على رأي آبولينير فيها لأسباب قد تبدو واضحة في السطور التالية. > «بيكاسو وبراك كانا يدخلان في لوحاتهما أحرف اليافطات والعديد من الكتابات الأخرى، لأن الكتابة واليافطة في المدينة الحديثة، تلعبان، إضافة الى الدعاية، دوراً فنياً بالغ الأهمية، ولأنهما تتأقلمان بسرعة مع غاية هذا الفن. لقد حدث لبيكاسو في بعض المرات أن تخلى عن الألوان الاعتيادية لكي يشكل لوحات ذات شكل تجسيدي، صنع من مجسدات من الورق المقوّى، أو من أوراق الجدران، كان يتبع في ذلك نوعاً من الإلهام التشكيلي، بحيث أن تلك المواد الغريبة، الخام والمتنوعة، سرعان ما اكتسبت مكانتها النبيلة، لأن الفنان نفخ فيها شخصيته التي هي في آن معاً، شخصية قوية وهشّة. وهذه الحركة نفسها تنتمي إليها أعمال جورج براك، جان متزنغر، ألبير غليز، خوان غري، وبعض أعمال ماري لورنسان...». > حين أدخل غيّوم آبولينير، اسم ماري لورنسان في هذا السياق المنتزع من مقالة له عن الفن الحديث (في ذلك الحين) نشرت بالألمانية في 1913، كان في وسع كثر أن يتساءلوا في نوع من الغمز: هل كان يعني حقاً أن هذه الفنانة تعد بين كبار أهل الفن التكعيبي، أم كان مجرد مجامل لها، هو الذي جرى حديث كثير عن العلاقة التي قامت بينهما؟ > في أيامنا هذه، لم تجر العادة على أن يرد اسم ماري لورنسان في موسوعات الفن الكبرى، بحيث أن هذه المرأة - الرسامة التي شغلت الحياة الفنية الفرنسية ردحاً من الزمن عند بدايات هذا القرن تبدو شبه منسية، لكن من يطالع نصوص آبولينير، سيفاجأ بعدد المرات التي يجري فيها الحديث عن ماري لورنسان، ناهيك عن أن مجموعة آبولينير الشعرية «خمريات» تتضمن العديد من القصائد المستوحاة من ماري لورنسان، لكن من جمالها كامرأة، اكثر مما هي مستوحاة من إبداعها كفنانة. فهل معنى هذا أن ماري لم تكن أكثر من صنيعة من صنائع آبولينير؟ > الرد إيجاباً على هذا السؤال قد يكون مغرياً اليوم، لكنه سيكون ظالماً بعض الشيء. مغرياً لأن نظرة الى لوحات ماري لورنسان ومقارنتها بالمستوى الذي كانت بلغته الحياة الفنية في زمنها، ستقولان لنا أنه كان من الصعب أخذ لوحاتها الهادئة والعذبة مأخذ الجدية، لأن فنها عادي، يضيع في نهاية الأمر بين الفن الفطري (ولهذا تحدث آبولينير عنها ضمن إطار دراسة خصّ بها فن الجمركجي روسو، رائد الفن الفطري في فرنسا) وبين الفن التكعيبي (مع أن التكعيبيين أنفسهم رفضوا احتساب ماري لورنسان في صفوفهم). وظالماً، لأن قوة هذه الفنانة التي كانت ذات حضور طاغٍ في باريس تلك الأحايين، كمنت أساساً في رغبتها المعلنة في خوض فن كاد يكون عهد ذاك وقفاً على الرجال، وندر أن برزت فيه امرأة. ولعل رغبة ماري لورنسان في أن تكون رسامة «على رغم كل شيء» (كما كانت تقول هي نفسها)، هي ما أثار اهتمام آبولينير بها. > فالحال أن الفن التشكيلي (الرسم بخاصة) كان، ومنذ عصر النهضة في أوروبا على الأقل، فناً رجالياً، على رغم كل ما يتطلبه الفن من رهافة ومشاعر، ومن هنا إزاء ألوف الفنانين الذين برزوا وجعلوا للفن التشكيلي تاريخه، كان من النادر جداً أن تبرز فنانة امرأة. ومن هنا حين برزت ماري لورنسان، كان من الواضح أنها تخطو في أرض ليست أرضها. ومن هنا أهميتها واحتفاء بعض الوسط الفني بها. ولربما أتى ذلك الاحتفاء منطلقاً، بخاصة، من الاهتمام الذي أسبغه آبولينير باكراً على ماري لورنسان وفنها. > ولدت ماري لورنسان عام 1885 في باريس، وستموت في باريس نفسها بعد ذلك بواحد وسبعين عاماً، أي في عام 1956، من دون أن يعرف عنها أنها غابت عن العاصمة الفرنسية طويلاً، فهي لم تكن مولعة بالسفر، وكذلك لم تكن شديدة الفضول. ولعل هذا ما ساهم في إضفاء صفة الجمود على تعابير موهبتها الفنية التي كانت قد تجلت أول الأمر، في عام 1907، حين راحت ترسم لوحات اكتشفها آبولينير، وساهم في التعريف بها. ولعل الفترة الأخصب في حياة ماري لورنسان كرسامة، هي الفترة الواقعة بين 1907 و1912، أي تلك التي حققت فيها لوحات عديدة، ذات شخصيات خطية وألوان هلامية وتركيبات متكررة، بدا بوضوح أنها في نهاية الأمر مستوحاة من واحدة من مراحل بيكاسو، هي المرحلة التي يطلق عليها اسم «المرحلة الزنجية». لكن المؤلم أن ماري لورنسان جمدت عند ذلك المستوى طوال مراحلها التالية، حتى وإن كانت قد أنتجت عشرات اللوحات وظلت حاضرة في الحياة الفنية الفرنسية، سجالاً ورسماً وتشجيعاً - في وقت لاحق - ككل رسامة شابة تحاول أن تشق طريقها في عالم الفن التشكيلي، العالم الذي كانت ماري تأخذ عليه طابعه الذكوري، وتعتبر نفسها، الى جانب صونيا ديلانوي وفريدا كاهلو وليونور فيني وغيرهن، المرأة التي اخترقت ذلك العالم.