الإشاعات تمزق الأوطان، وتفرق الشعوب. نقرأ في الرسائل الإلكترونية «انشر تؤجر»، وهو سلوك يشوبه الخلط والخلل لا سيما إذا ارتبط بتناقل أخبار براقة ضافية الذيول تتحدث عن خصوصيات المشاهير أو التشهير بالخصوم أو ترويج الإشاعات. كثير من الأخبار والفيديوهات تنتشر في الواتس أب وعلى صفحات الفيسبوك وسائر قنوات التواصل، بلا فكر ولا روية ومن دون ذكر المصادر، وقد تتضمن تحذيرات أمنية وطبية وتجارية واجتماعية واقتصادية وسياسية مما يزيد من انتشار سرعة الإشاعات المغرضة، وإشعال فتيل إحداث الفوضى، وإشغال الناس بمعلومات مدسوسة لا رصيد لها من الصحة. وهذا الداء ابتلي به المثقف وغيره حيث يتم نقل الأخبار خالية من التثبُت، ومفارقة للحقيقة مسايرة لمبدأ «حاطب ليل». ومن أسباب التجاوب مع الأباطيل التأثر بالمحيطين، وأحيانا حب الظهور والولع بنقل الأخبار الجديدة الغريبة، ورغبة في صرف وجوه الناس إليهم، وزيادة عدد المتابعين تماشيا مع الاتجاه العام. إن سوء استخدام التقنيات الرقمية من أبرز التحديات المعاصرة، بل أصبحت فعلا ميدانا لهدر الأوقات في مسائل لا طائل من وراء بثها. ورد في الحديث النبوي الشريف «كَفَى بالمرءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سمعِ»، وهذا تحذير مباشر من تداول المعلومات الرائجة بمجرد سماعها من دون النظر في مصادرها وفحواها وآثارها المستقبلية. يعكس ذلك الحديث النبوي الكريم اتجاه التربية الإسلامية في تحري الدقة في القول والعمل وعدم نقل الأقاويل من دون تمحيص ومزيد تفكير، وفي ذلك صيانة للفرد من الانزلاق وراء الأقاويل، وحماية للمجتمع من تشتت الجهود، وتمزق الوحدة بالقيل والقال. ونظرا لسعة فقه وأفق الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين خصَّص عنوانا يعالج هذه المسألة الاجتماعية فكتب «باب الحثّ عَلَى التثُّبت فيما يقوله ويحكيه». جاء هذا الباب بعد التحذير من النميمة والكذب والغيبة وسائر السلوكيات المنهي عنها. ليس يخفى أن الحماس الزائد يجعل البعض يستمع لكل شاردة وواردة ويتتبع ويتلذذ بملاحقة الأنباء غير الموثوقة، فيصدقها وينشرها ولا يكلف نفسه عناء التفكير الناقد. العاقل لا يتناقل إلا ما يؤمن به أو يغلب على ظنه أنه نافع لغيره. من المسؤوليات الاجتماعية التي يتعين التفكير فيها مليا قضية حسن استثمار التكنولوجيا لتصبح أداة طيعة نتصرف بها، ولا تتصرف بنا. إن استشعار أمانة الكلمة تجعلنا نتريث في نقل الرسائل والصور والأخبار صيانة لأنفسنا وأوطاننا من الوقوع في أخطاء تجرنا إلى المساءلة القانونية، وضياع الجهود. منذ زمن تساءل البعض هل ستصبح التكنولوجيا الخارقة العابرة للقارات وسيلة لاستقرار الإنسان، وتنمية ميوله الاجتماعية أم وسيلة جديدة تعكر المزاج الفكري والنفسي، وتعمق الخلاف الديني، وتعيق النماء الوطني، وتشتت الشعوب. هل أضحت تلك الوسائل موئلا للإشاعات، وموطنا لاختلاق الأكاذيب؟ هذا أمر يخضع لاختياراتنا كي لا تتمزق الأوطان وتتفرق الشعوب. أ. د. لطيفة حسين الكندري