الإنسان أشرف المخلوقات، ويستمد هذا الشرف من الهِبة الربانية المُتمثلة في الأخلاق والصفات الروحانية التي قُدمت للبشر كهدية ملكوتية مُودعة بالفطرة الممزوجة بعجينة ذاته ووجوده، هذه الصفات التي يمكن مشاهدة ملامحها والإحساس بوجودها عند ولادة الطفل ببراءته الصادقة. إنها المكون الأساسي لإنسانية الناس، وجمال نقاء النفس البشرية وصفائها، فطرةٌ تتطور للأفضل بالتربية الروحانية والتعليم الصحيح لتشرق شموس جمالها الأخاذ وتُضيء العالم بأنوار مواهبها الساطعة، كيف لا وقد خلقنا الله على أحسن صورة وكمال وأودع فينا جواهر نوره كما جاء بالكلمات المكنونة «يَا ابْنَ الوُجُودِ، صَنَعْتُكَ بِأَيادِي الْقُوَّةِ وَخَلَقْتُكَ بِأَنامِلِ الْقُدْرَةِ، وَأَوْدَعْتُ فِيْكَ جَوْهَرَ نُوري فَاسْتَغْنِ بِهِ عَنْ كُلِّ شَيءٍ، لأِنَّ صُنْعي كامِلٌ وَحُكْمي نافِذٌ لا تَشُكَّ فِيهِ وَلا تَكُنْ فِيهِ مُرِيباً»، الإنسانية مِنحة عظيمة ومسؤولية هائلة ترمي بثقلها على كاهل البشر، فالمسألة تتخطى الكثير من الحدود التي تخطر على البال، خصوصاً عندما نقرأ ما ذكره عباس أفندي «لا تقنع بِإظهار الوُدّ قولاً فقط، دعﹾ قلبكَ يشتعلُ حُبًا ومَوَدّةً لِكُلِ مَنﹾ تُصادِفُهُ في طَريقِكَ» هكذا وبِكل بساطة يجب أن يشتعل قلب الإنسان بالحب والمودة لِكُل من يُصادفه بالحياة، صديقاً كان أم غريباً، قريباً كان أم بعيداً. إنها قمة الإنسانية الحقيقية المتمثلة في حب كل أطياف المجتمع والتعامل مع الجميع على هذا الأساس، من دون التمييز لأي سبب كان، إنها حالة روحية بحتة يصعب الوصول إليها من دون التضحية والتحلي بالصفات الروحانية والملكوتية والإيمان بمبدأ التعايش الإنساني وحب البشر، فالمسألة تتخطى حدود التعامل مع الآخرين باحترام وتقدير من دون النظر إلى اعتقاداتهم الدينية والمذهبية والفكرية، وتتخطى أيضاً مساعدة الناس ومساندتهم بصدق وإخلاص، وتتجاوز حتى شعورنا بالفرح والسرور لتوفيقهم بالحياة بل والدعاء لهم طلباً للمزيد من التوفيق. الإنسانية الحقة لا تتوقف عند أي حدود، وتتعدى كُل ما في مخيلتنا لتصل الى عمق إيماننا بمساواة الجميع لإنسانيتهم ولكونهم بشراً، وقبول الآخر لإنسانيته التي تشبهني تماماً كما جاء في الحديث «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، فالإنسانية لا حدود لها، والإمكانات الروحانية الهائلة المُودعة ببني البشر لا تتوقف عند حدود معينة، لتتخطى قدراتها الروحانية حواجز الفكر والخيال. لا يمكننا اليوم تخيل أبعاد ونتائج مبادئ وقيم على المجتمع وروح الحب والود الذي سيسود أجواءه. كما لا يمكننا تصور جمال سعادة العيش براحة النفس والبال بهذه الأجواء التي تقلب الموازين وتُحول مجتمعاتنا إلى فردوس الجنان بزوال النقاشات السلبية التي عفى عليها الزمن كأفضلية شعوب على أخرى، أو التعصب لدين أو مذهب أو عرق أو جنس، وزوال كل الخلافات والصراعات وسيادة الإنسانية الممزوجة بالحب والسلام، والتجربة خير برهان؟عرفان أمين