×
محافظة المنطقة الشرقية

مؤتمر التعريف بأكاديمية AMS التعليمية بجدة

صورة الخبر

قبل أن تفاجأ إيران بالحادث الإرهابي الذي وقع في قلب العاصمة طهران واستهدف مجلس الشورى (البرلمان) ومرقد زعيم الثورة الإيرانية ورمزها آية الله الخميني صباح الأربعاء (2017/6/7)، كان الإيرانيون، وفي مقدمتهم الحكومة ورئيس الجمهورية حسن روحاني، مشغولين بالبحث في استحقاقات ما بعد الانتخابات الرئاسية وبالتحديد التوصل إلى إجابة مقنعة ومطمئنة في ذات الوقت عن السؤال المحوري وهو: كيف يمكن للرئيس روحاني أن يستجيب لمطالب المرشد علي خامنئي وتيار المحافظين الأصوليين المنافس الخاصة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والسير بخطوات قوية ومدروسة في مشروع «الاقتصاد المقاوم» القادر على حماية إيران من ضغوط العقوبات الاقتصادية، ويرتقي بالمستويات المعيشية للطبقات الشعبية والفقيرة، كي ينجح في مد خيوط التواصل مع هذا التيار ومع الزعامة لتحقيق «مصالحة وطنية» باتت البلاد في أمسِّ الحاجة إليها، وأن ينجح، في ذات الوقت بالمضي قدماً في مشروع الإصلاح السياسي والتنمية السياسية الذي كان صلب وجوهر مشروعه ووعوده الانتخابية، وأن يفي بوعوده لتلك الملايين التي انتخبته على أساس هذا المشروع الإصلاحي وبالذات الانفتاح على الخارج وتحسين العلاقات مع الجوار الإقليمي والتوقف عن الزج بإيران في أزمات إقليمية تفاقم الضغوط عليها، وأن يفي بتحقيق دفعة قوية في تأمين الحقوق والحريات الاجتماعية في الداخل؟ مهمة ثقيلة كان الكثيرون يشككون في قدرة الرئيس روحاني على القيام بها، وقبل أن يلتقط الإيرانيون أنفاسهم من تداعيات معركة الانتخابات الرئاسية، فوجئوا بأنهم مطالبون بدفع أثمان استحقاقات أخرى باهظة لمواجهة خطر الإرهاب الذي وصل إلى العمق الإيراني واستهدف هز الثقة في النظام، وتوصيل رسائل دامية تقول بصوت عال إن إيران لن تكون، من اليوم، بمنأى عن دفع أثمان باهظة لسياساتها الخاطئة، أو إنها مستهدفة في ذاتها على نحو ما يروج قادة النظام بهذا العمل الإرهابي، بعد أن كانت كل التنظيمات المتطرفة قد فشلت في الوصول إلى العمق الإيراني، ونجحت إيران في أن تبقى بمنأى عن الاعتداءات الإرهابية لسنوات طويلة مضت. الاعتداء الأخير الذي حدث كان مخططاً له، على ما يبدو، أن يشكل صدمة في الواقع السياسي الإيراني تُحبط المعنويات من دون أن يكون هدفه الرئيسي إزهاق الأرواح وتدمير منشآت، وإلا كانت عملية مرقد الخميني، جنوب طهران، قد نفذت قبل ثلاثة أيام من موعدها، حيث كانت احتفالات إحياء الذكرى الثامنة والعشرين لرحيله، وكان يمكن الإيقاع بمئات وربما آلاف الضحايا. الهدف رمزي وسياسي بامتياز، والرسائل واضحة والتحدي بات مؤكداً، رسائل تقول إن إيران مدفوعة، رغم أنفها، للدخول في معترك الاكتواء بنيران الإرهاب، لكنه هذه المرة إرهاب يحمل مرارات طائفية، مطلوب أن تفاقم حالة الفرز والاستقطاب الطائفي على المستوى الإقليمي، وأن تفرض الصراع المذهبي كأهم معالم الإقليم في محاولة لتبديد أي فرص للحيلولة دون انفراط المعالم التاريخية والحضارية للإقليم.لم يتصور كبار المفكرين والمحللين الإيرانيين أن تنظيم «داعش» في مقدوره أن يصل إلى العمق الإيراني، وهو يعاني بل ويحتضر داخل العراق وسوريا. اتجهت الأنظار سريعاً نحو العدو التقليدي أو المنافس الإيراني المعادي لمشروع الجمهورية الإسلامية الذي يحمل اسم «جماعة المنافقين» في الأدبيات السياسية والإعلامية الإيرانية، أي تنظيم «مجاهدي خلق». لكن الصدمة الكبرى أنهم اكتشفوا أن تنظيم «داعش» هو الذي ارتكب الاعتداء، وأن لا دخل للجوار الخليجي بهذا كله، وأن إيران في طريقها لدفع أثمان أدوارها في العراق وسوريا، وأن عمق النظام ورموزه الكبرى هي المستهدفة، أي تجربة الجمهورية الإسلامية، حيث استهدف الاعتداء الإرهابي أهدافاً سياسية منتقاة بدقة، فباختياره مرقد الخميني ومجلس الشورى يعلن «داعش» رفضه لتجربة الجمهورية الإسلامية ورموزها السياسية والدينية في آن واحد. والأهم هو أن منفذي الاعتداء، حسب تصريحات مسؤولين إيرانيين كبار هم «إيرانيون التحقوا بصفوف التنظيم» أي أن هناك خلايا نائمة لداعش من أبناء إيران داخل العمق الإيراني، ما يعني أن ما حدث هو بداية فقط. يحدث هذا في وقت أكدت فيه نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة رغبة الطبقات الاجتماعية المختلفة في دعم الاعتدال والانفتاح على الخارج ودعم الحريات العامة والشخصية ورفض العيش في عزلة، كما أكدت هذه النتائج تفوق الأوساط الاجتماعية المتطلعة إلى الديمقراطية وإلى المشاركة السياسية على الأوساط «الشعبوية» المحافظة. هذا التطلع يواجه الآن خطر «عسكرة البلاد» وعودة التسلط الأمني تحت غطاء مواجهة التحدي الإرهابي، لكن مشكلة إيران أن «الحل الأمني» رغم أهميته القصوى لمواجهة خطر الإرهاب، لا يكفي في ظل تنامي مشاعر شعبية لدى قطاعات جماهيرية كبيرة تعاني التمييز الطائفي والعرقي ويمكن أن تكون بيئة مناسبة للتجنيد للتنظيم الإرهابي إذا ما استمر هذا التمييز واتسع مجال القهر الأمني، كما هو حال التكوينات الطائفية والعرقية المختلفة من عرب وأكراد وبلوش وغيرهم، على نحو ما كشفت مطالب لمعالجة هذا التمييز وردت على لسان بعض رموز وقادة هذه الطوائف والجماعات العرقية، أبرزها تصريحات كل من «مولوي عبدالحميد إسماعيل زهي» إمام جمعة زاهدان عاصمة إقليم بلوشستان، والزعيم الكردي عضو مجلس الشورى جلال جلالي زاده، وهي تصريحات أكدت أن التمييز الطائفي والعرقي أصبح «قنبلة موقوتة قابلة للانفجار»، ويمكن أن تكون داعماً للمزيد من عدم الاستقرار داخل البلاد الذي يبدو أنه سيكون أهم معالم السياسة والحكم في إيران ابتداءً من الآن.د. محمد السعيد إدريسmsiidries@gmail.com