×
محافظة المنطقة الشرقية

3 آلاف نزيل ونزيلة يستفيدون من برامج “بصيرة” الرمضانية بالشرقية

صورة الخبر

استمعكمال الجزوليفجر السَّادس من إبريل/نيسان 1985م، لجأ نظام النِّميري إلى آخر حيلة لمواجهة جماهير منتفضة، فاستغاث بأمريكا لترسل قوَّاتها من قواعدها المتوسِّطيَّة، أو الشّرق إفريقيَّة، كي تسيطر على الأوضاع في الخرطوم، متحجِّجاً بغزوة زعم أن (القذَّافي) سيستغلّ حالة (الفوضى) ليشنَّها خلال ساعات! غير أن (الصَّديقة الكبرى) فاجأته بدحضها الاستخباراتي لحُجَّته، واعتذارها عن مساعدته، فالنهاية قد أزفت (game over)، كما قالت!لم يكن شيء من ذلك مستغرباً، فالنِّظام، وقتها، كان قد بات مفتقراً، تماماً، للثِّقة في الجماهير، سواءً في (المركز) أو (الهامش)، ومستنداً، بالكليَّة، إلى دعم الخارج. كما ولم يكن متصوَّراً، بأيِّ حال، أن تترجَّح، في ميزان أولويَّات أمريكا، (صداقاتها) الدَّوليَّة على (مصالحها) الوطنيَّة! انتصرت الانتفاضة، إجرائيَّاً، لأن أهمَّ عوامل انتصارها توفَّرت، كاكتمال نضج (الأزمة الثَّوريَّة)، وانحياز القوَّات النِّظاميَّة لها، ونهوض قواها الرَّئيسية بمهمَّة تحشيد الشَّارع في (المركز)، لا بالاجترار الببغاوي للشِّعارات، وإنَّما بالتَّنظيم الصَّبور في اتِّجاه التَّغيير، ومراكمة العوامل الذَّاتيَّة للانفجار، بكلِّ ما تقتضي من تضحيات القيادات قبل القواعد، والاتِّفاق، ولو في السَّاعة الخامسة والعشرين، على (ميثاق) يكفل (الحدَّ الأدنى) من الوحدة باتِّجاه الهدف (القريب) المتمثِّل في الإطاحة بالنِّظام. لكن ذلك (الحدَّ الأدنى) كان، للأسف، (أدنى) من أن يضمن لانتصار الانتفاضة الاستقرار! وأخطر ذلك أن حراك الجَّنوب المسلح، والذي لطالما توهَّمته بروباجاندا النِّميري محض نشاط عميل، تصوَّرته معارضة (المركز) ملحقاً بها، أي أن انتصار الانتفاضة سيمثِّل انتصاراً له، ما يضمن مسارعته، ضربة لازب، للالتحاق بها، فأهملت حسابه، حتَّى وقعت الفأس في الرَّأس، وفوجئت به يتَّهم سلطة الانتفاضة بأنَّها (مايو الثَّانية May Two)، فكان ذلك أوَّل الوهن في تجربة الدِّيموقراطيَّة الثَّالثة، حتَّى افترسها انقلاب الثَّلاثين من يونيو 1989، وأفضى، في ظروف غير مواتية، وعبر مطالبة ملغومة ب (تقرير المصير)، لانفصال الجَّنوب في 2011م!وفَّر ذلك الحدث التَّاريخي أربعة دروس: أوَّلها أن من الوهم تصديق أنظمة الدّول الصَّغيرة أن معارضاتها، خصوصاً المسلحة في (الهامش)، محض صنائع خارجيَّة، وأن هذا (الخارج) سيتدخَّل لحماية هذه الأنظمة، أوان الأزمات، مقابل خدمتها لمصالحه. صحيح أنه قد يفعل حالَ كَشَفَ (ميزان القوَّة) عن ضعف تلك المعارضات؛ لكنه، قطعاً، سيحجم، لو قدَّر أن تدخّله قد يضرّ بمصالحه! والدَّرس الثَّاني أن هذه المعارضات، السِّياسيَّة أو المسلحة، لا يمكنها إنجاز أيٍّ من استراتيجيَّاتها، إنْ لم توازن بين قدراتها الذَّاتيَّة وبين قدرات العامل الخارجي، فتروح إمَّا تستهين بقدراته، أو تُخضع قدراتها الذَّاتيَّة لمقتضاه، وفي الحالين هي الخاسرة! أمَّا ثالث الدَّروس فهو أن العامل الخارجي يستحيل أن يكون حاسماً بالنِّسبة لقضايا الصِّراعات الدَّاخليَّة، إلا إذا ارتخت قبضة القوى الوطنيَّة في كلا (المركز) و(الهامش) على هذه القضايا! وأمَّا رابع الدَّروس فهو أن اقتصار المعارضة على قضايا (المركز) وحدها، متصوِّرة أن قضايا (الهامش) ستلي، تلقائيَّاً، لهوَ ضرب آخر من الاستتباع! ثمَّة ثلاث حركات (هامش) ظلَّ النِّظام يتوهَّم أنها محض مخالب لقوى خارجيَّة (!) بينما هي، إلى جانب القوى الحزبيَّة، عناصر مفتاحيَّة في الصِّراع الذي يحتاج لعلاج وطني ديموقراطي بدلاً من حلول النِّظام المسلحة: دارفور من جهة، وجنوب كردفان والنِّيل الأزرق من جهة أخرى. بالنِّسبة لجنوب كردفان والنيل الأزرق فقد فجَّر نائب رئيس الحركة الشَّعبيَّة قطاع الشَّمال، في مارس/آذار 2017، أوضاع الحركة الدَّاخليَّة، بانقلابه، فجأة أيضاً، على رئيس الحركة وأمينها العام الذي يتولى رئاسة وفدها المفاوض للحكومة، في حين كان هذا الوفد على بعد خطوة من جولة حاسمة حول مستقبل المنطقتين في إطار مستقبل السودان بأسره. تأسَّس انقلاب نائب الرَّئيس على كون الرَّئيس والأمين العام لم يطرحا مطلب (تقرير المصير) للمنطقتين، بل مطلب (الحكم الذَّاتي)، وقد صدق. فالرَّجلان وضعا نصب أعينهما خبرة (تقرير المصير) لجنوب السودان، في ظروف اتَّسمت ب (الهوجة) وعدم النّضج، ما أدى لانفصاله، بل وتورّطه في ما لا حصر له من الأزمات التي راح ضحيَّتها مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء. وبالتَّالي طرحا مطلب (الحكم الذَّاتي) في سودان موحَّد، وعبر عمليَّة انتقاليَّة تخاطب تحدِّيات التَّحوُّل الدِّيموقراطي. kgizouli@gmail.com