رويترز - حين تعهدت بعض دول «أوبك» في مايو الماضي «بفعل كل ما يلزم» للدفاع عن أسعار النفط العالمية، لم تتوقع أن يختبر السوق تعهدها بعد شهر واحد فقط، فبعد أن مددت فيه المنظمة ودول من خارجها تخفيضات الإنتاج، انخفضت أسعار الخام 18 في المئة في 20 يوماً فحسب، لكن يبدو أن الدول الأعضاء عازمة على عدم الاندفاع صوب تنفيذ تخفيضات أكبر في الإنتاج رغم ضغوط السوق.وفي المقابل، اختار متعاملو النفط تجاهل الأنباء التي تدفع باتجاه صعود الأسعار، بما في ذلك انخفاض طال أمد انتظاره في مخزونات النفط الأميركية، أُعلن عنه يوم الأربعاء الماضي، وركزوا بدلا من ذلك على عوامل سلبية على غرار استمرار تخمة المعروض العالمي.ونتيجة لهذا، سجل سوق النفط أسوأ أداء له في النصف الأول من هذا العام خلال 20 عاماً، ما يشير إلى رفضها القبول بجدوى موقف «أوبك» ورغبتها في تخفيضات أكبر للإنتاج.وأعلن عدد من وزراء النفط في دول «أوبك» في وقت سابق أن «المنظمة لن تندفع صوب تنفيذ تخفيضات أكبر للإنتاج من المستوى الحالي البالغ 4 في المئة كي تكبح انخفاض الأسعار»، مضيفاً أن «(أوبك)، بدلاً من ذلك، ستنتظر حتى تتمخض التخفيضات المشتركة الحالية مع روسيا، غير العضو في المنظمة، عن هبوط المخزونات العالمية خلال الربع الثالث من العام حين يرتفع عادة الطلب على النفط الخام».وقال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه يوم الأربعاء الماضي «نجري محادثات مع أعضاء (أوبك) كي نجهز أنفسنا لقرار جديد، لكن اتخاذ القرارات في المنظمة أمر صعب جدا لأن أي قرار سيعني للأعضاء تخفيضات في الإنتاج».من جانبها، قالت مصادر في «أوبك» إنه «لا مؤشرات تذكر على أن المنظمة تستعد لإجراء استثنائي قبل اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في روسيا نهاية يوليو المقبل».وأطلق ارتفاع أسعار النفط بنهاية العقد الماضي وبداية هذا العقد مشاريع إنتاج متعددة في أنحاء العالم، بما في ذلك في تكوينات النفط الصخري الأميركي، ما نتج عنه فائض عالمي دفع الأسعار للانخفاض من 120 دولارا للبرميل في 2014 إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل في العام الماضي.وسعت «أوبك» وروسيا إلى تحقيق استقرار الأسعار بين 50 و60 دولاراً للبرميل عبر تخفيضات الإنتاج، لكن أسعار خام القياس العالمي برنت انخفضت هذا الأسبوع صوب 44 دولاراً للبرميل بسبب استمرار المخاوف في شأن فائض الإمدادات.وزاد المتعاملون والمستثمرون رهاناتهم على أن أسعار النفط ستظل تحت ضغط، إذ تظهر سوق خيارات الخام الأميركي أن أكبر تغير منذ اجتماع «أوبك» في حيازات عقود المشتقات استحقاق ديسمبر هذا العام كان في خيار البيع عند 45 دولارا للبرميل.وزادت المراكز المفتوحة، التي تظهر عدد العقود المفتوحة المتداولة التي لم تُسل بعد، أكثر من 5 آلاف مجموعة في الشهر الماضي إلى نحو 38 ألف مجموعة بما يعادل 38 مليون برميل من النفط.«الصخري»... قويقال العضو المنتدب لشركة «سترونغ بتروليوم» لتجارة النفط أويستن برنتسن، إن «توقفات الإمدادات العالمية تراجعت إلى مستوى منخفض جديد لم يسجل في سنوات، فالنفط الصخري الأميركي يعود بكل قوة، وهناك مستويات مرتفعة من المخزونات العائمة وعلى الأرض».والولايات المتحدة ليست طرفاً في أي اتفاقات لخفض الإنتاج، ومن المتوقع أن تزيد الإنتاج من تكوينات النفط الصخري بما يصل إلى مليون برميل يومياً، أو نحو عشرة في المئة من إجمالي إنتاج البلاد من الخام.ورأى برنتسن أنه «ما لم تعمق أوبك التخفيضات أو تحدث توقفات كبيرة وغير متوقعة في الإنتاج، فإن الأسعار ستظل منخفضة».من جهته، قال كبير محللي السوق لدى «أكسي تريدر» للوساطة في العقود الآجلة جريج مكينا إن «تعميق الخفض قد يكبح انخفاض الأسعار، لكن (أوبك) بحاجة بالفعل للقيام بهذا بدلاً من الحديث عنه فحسب».ووفق مصادر في «أوبك»، فإن أحد الخيارات قد يتمثل في ضم عضوي المنظمة ليبيا ونيجيريا في أقرب وقت إلى تخفيضات الإنتاج، بعد أن نما إنتاجهما بقوة في الأشهر الأخيرة من مستوياته المنخفضة السابقة بسبب الاضطرابات، إذ إن هاتين الدولتين في الوقت الحالي معفيتان من اتفاق تخفيضات الإنتاج.بدوره، قال المحلل لدى «أواندا» للوساطة جيفري هالي، إن «الخيار الآخر لــ (أوبك) هو أن تسمح لأسعار النفط بالانخفاض إلى مستويات، حتى قطاع النفط الصخري الأميركي الحديث الأقل تكلفة سيعاني كي يحقق تعادل الإيرادات والمصروفات عندها».وقد لا يكون ذلك بعيداً في الوقت الذي تقترب فيه الأسعار من مستويات التكلفة لشركات النفط الصخري الأميركي المسؤولة عن زيادة الإنتاج التي تقوض جهود «أوبك».من ناحيتها، قالت «ريستاد إنرجي» للاستشارات المتخصصة في التنقيب والإنتاج، إنه «في ما يخص النفط الصخري في حوض باكن، فإن الآبار التي تم الانتهاء منها في 2016 - 2017، يبلغ متوسط سعر التعادل فيها نحو 38 دولاراً للبرميل».وإلى جانب متابعتها الوثيقة لأنماط الإنتاج الخاصة بمنافسيها، تحتاج «أوبك» إلى إبقاء نظرها على الطلب العالمي، ففي الوقت الذي تشير فيه التوقعات الصادرة عن مؤسسات كبرى بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية إلى نمو الطلب العالمي بمعدل قوي يبلغ 1.5 في المئة العام المقبل، فإن هناك مؤشرات على أن الطلب يتباطأ في مركزين آسيويين رئيسيين هما الصين والهند محركا نمو الطلب في السنوات الأخيرة.