موضوع هذا البحث دور الأرشيف والذاكرة في الإنتاج الثقافي، وصناعة صورة الفنان، واستحضر نموذج الفنان الكبير عبداللطيف الكويتي تمهيداً لتحليل نموذج كبير آخر هو طلال مداح. هذا جزؤها الرابع. رغم أن محاولة بحثية راحت إلى ذلك عبر دراسة قياسية مقارنة أعدها الباحث أحمد علي عام 1980 أثبتت أن إيقاع الصوت العربي السداسي الميزان هو ذاته إيقاع الهزج الوارد في كتاب "الأدوار في النغم والأدوار" لصفي الدين الأرموي (ت.1294). إلا أن صدى ذلك اللقب يقبض على "استملاك المفقود"، ويكرّسه جواب عبداللطيف في حوار جرى مع محمد عبدالوهاب عام 1930 حين زيارته للقاهرة لتسجيل أعمال لحساب شركة أوديون، وقد ذكره مرتين في حوارين مسجلين (تلفزيوني وإذاعي) بأن الصوت (العربي والشآمي والخيالي) وريث حضارة القرون الوسيطة. إذ ورد في الحوار على هذا النحو: ".. دار البحث بيني وبينه (أي: محمد عبدالوهاب) من جهة أغاني الكويت والخليج العربي. قال لي: يا أستاذ أنت تلحّن هذه الأغاني؟ قلت: لا. قال لي: (هل) يلحنون لك؟ قلت له: لا (ضحك عبدالوهاب) قلت: ليش يا أستاذ تضحك عليّ؟ قال: لا. لكن تقول أنا ما ألحّن هذه الأغاني وأقول لك فيه واحد يلحن لك تقول لا. صار من أين لك هذه الأغاني؟ قلت: هذه الأغاني قديمة أنا ما أعرف من لحّنها ونحن نغنيها. سمعناها من آبائنا وأجدادنا ورفاقتنا من قديم. أما أنا ما أعرف عنها شيء" (من حوار تلفزيوني من تقديم رضا الفيلي، 1965، الكويت). وفي حوار آخر وردت ذات القضية ولكن سنرى لاحقاً ماذا كان طبيعة الحوار بين عبداللطيف الكويتي ومحمد عبدالوهاب، وما هو موقف الأخير. إن ما يقوله الكويتي ملفت وهو يتيح للذهن أكثر من تفسير قدر التساؤلات الأخرى. ** مقاطع فصل من كتاب جديد بعنوان "زرياب الآخر" يصدر قريباً عن منشورات أحمد الواصل ومنشورات ضفاف.