«تحرش بعض الرقاة بالنساء».. ليس الغريب أن يحدث ذلك فلقد اعتدنا حدوثه من خلال ما تنقله الأوعية الإخبارية بين وقت وآخر، الغريب استمراره بهذه المتوالية المقيتة واللافتة. (الرقية الشرعية) حين يستغلها أولئك النفعيون المحتالون لأجل استثمار آلام الناس وظروفهم الصعبة حين يصاب أحدهم أو إحداهن بعين أو مس أو سحر فتنقلب حياتهم رأساً على عقب وتصبح الدقائق بطيئة ثقيلة وتكون الثواني مظلمة مسكونة بالارتباك والقلق والضيق والاكتئاب. ولكم أن تتخيلوا هذا الابتلاء الشديد حين يصاب به المرء رجلاً كان أو امرأة صغيراً كان أو كبيراً وفي ظل هذا الوضع المأساوي الذي يعانيه المصاب يسعى هو ومن حوله من أهله ليتعلقوا بقشة في أمواج من العذاب متلاطمة وإذا بهم يقعون في شراك من يقتاتون على آلام الناس وعذاباتهم دون أدنى رادع من وازع أو ضمير. إن ما يحدث باسم الرقية الشرعية هو عالم اختلط فيه الصادق بالكاذب والحابل بالنابل فأضحى عالماً غرائبياً شديد الغموض والتشابك مفعما بالتقاطعات مثقلا بالأقنعة بيد أنها أي الرقية الشرعية استغلت بكل تأكيد لتحقق لعدد غير قليل المال الحرام عن طريق هذا الكسب المشبوه. ويبقى المال والحصول عليه ظلماً وعدواناً هو المحرك الرئيس لتكون تلك النباتات السامة البشعة من الرقاة المحتالين الذين أتقنوا أدوار المسرحية وقاموا بالدور بطريقة احترافية ليتزاحم الجمهور على شباك التذاكر لديهم بأعداد أذهلت المخرج والمنتج وبطل المسرحية!. وللأسف الشديد لم تخل منطقة ولا مدينة أو حتى قرية من وجود هؤلاء المتكسبين بالنصب والاحتيال والأمر لا يحتاج أكثر من تأجير منزل قديم أو شقة صغيرة وتحديد الأيام والأوقات وتجهيز الموقع بالصوتيات والبخور وملء المستودع بالماء والزيت والسدر والخلطات العشبية. وللأسف الشديد فما أن يدري الناس بهذا الراقي المدعي حتى يتوافدوا عليه زرافات ووحدانا يطلبون ويتمنون أن يكون سبباً لشفائهم من عللهم الصعبة وأمراضهم المستعصية ولا يخرجون من الموقع حتى يدفعوا الأموال الطائلة لهذا الراقي ومثلها لأغراض تصرف بوصفة من المستودع مع توصيات بطريقة الاستعمال وتعليمات الاستخدام. وليت أن الأمر ينتهي عند هذه المرحلة وهذا الحد فلقد استغل عدد من المحتالين الحالات الصعبة التي تمر بها بعض النساء فيواعدونهن في وقت خارج الدوام المتعارف عليه يعني (over time) ويشترطون عليهن أن يأتين وحدهن في أوقات الغفلة والسكون ويكونون قد خططوا مسبقاً وبخبث شديد الاختلاء بالفريسة لالتهامها بذريعة العلاج. ولكم أن تتخيلوا إلى أي مدى وصل إليه المستوى الإجرامي لدى هؤلاء الذين استغلوا الدين أولاً ثم استغلوا حاجة هؤلاء المرضى المبتلين المحتاجين للشفاء والعافية ثم ارتكبوا هذه الأفعال الشنيعة بمخالب تقطر مكراً وخديعة. لا شك أننا أمام أزمة أخلاقية خطيرة ومن أشد المخاطر في هذا العالم العجيب أن عدداً من السحرة والمشعوذين استغلوا هذا المجال فتهافت الناس عليهم دون وعي أو إدراك بخطورة ما هم مقدمون عليه وما يمكن أن يحدث لهم أثناء وبعد إتيان هؤلاء الدجالين وما فيه من خطر عليهم في دينهم وأنفسهم. وحسناً فعلت الجهات المختصة حين قننت الرقية الشرعية وحددت من يقومون بهذه المهمة الشريفة النقية وإبعاد وإيقاف الرقاة المزيفين، ولكن هذا التقنين يحتاج إلى متابعة دءوبة ودقيقة حتى لا تعود تلك الجيوب النتنة إلى العمل في الخفاء. وقد سمعت عن أدعياء الرقية من يشترط حين طلبه تذاكر السفر والإقامة في أفخم الفنادق وتحويل المبلغ المتفق عليه في حسابه البنكي قبل البدء بمهمته المزيفة. وفي رأيي لا تكمن المشكلة فقط في احتيال الراقي المزيف بل في قبول وتصديق وجهل الطرف الآخر الأمر الذي جعل لهؤلاء سوقاً رائجة. ولأن الشيء بالشيء يذكر فمن المفارقات العجيبة أننا لو بحثنا عن السيرة الذاتية المتضمنة لتاريخ حياة غالب هؤلاء الدجالين لوجدنا أنهم من العاطلين وخريجي السجون والمشبوهين و(الداشرين) باختصار شديد. والحق أن عدداً ممن عرف عنهم الصلاح والتقوى والورع والإخلاص والصدق وسلامة الظاهر والباطن ما زالوا يقومون بالرقية الشرعية ولا يبتغون من وراء ذلك جزاء ولا شكوراً إلا من رب العالمين وكم من الناس المصابين بعين أو مس أو سحر شفوا بفضل الله ثم بالرقية الشرعية من أولئك الفضلاء الأتقياء. حسناً ماذا بقي؟! بقي أن أقول إننا في انتظار مفاجآت جديدة لضحايا جدد في قادم الأيام، فما السبب ومن المسئول؟! متخصص تربوي