في عصر الانفتاح المعرفي لم يعد يجدي حصر الفكرة، ولا المعرفة ولا حجبها، فإما أن نقدم البدائل المقنعة للمتعاطين لهذه المعرفة أو تلك الفكرة بالشكل الذي على الأقل يلامس الحدود الدنيا من الوعي لديهم ويثنيهم عن التعاطي مع تلك الفكرة وإلا انصرفوا عنا إلى غيرنا ولسان حالهم يقول: «هذه بضاعتكم ردت إليكم»، دون احتواء لبنات الأفكار الغضة، التي إما أن تصبح يتيمة تعبث بها براثن التشرد، أو وحيدة تتخطفها يد الخذلان، فتهوي بها في مكان ٍسحيق. وهذا منهجنا الديني: الذي ما إن ينهى عن شيءٍ إلا ويوجد له البدائل الأصلح والأنفع للناس في دينهم، ومعاشهم، وعاقبة أمرهم. كم من فكرة حكاها لنا راوي التاريخ وعاصرنا بعضاً منها كانت كفكرة ملهمة للغير في البناء الحضاري، ولكن التطبيق الأساس لها كان السبب الرئيس لفشلها. حتى لا نكون مكارثيين جدد، نتوجس من الغير ونرتاب، ونعيش وهم المؤامرة الصرفة بشتى طقوسها، كما لو كنا الأفراد الصالحين الوحيدين في تلك المدينة الفاضلة، التي يريد الجميع اقتناص الفرصة السانحة للانقضاض عليها وتخريب مقدراتها. أو أننا بلغنا من الهشاشة مبلغاً عظيماً، بالشكل الذي يجعلنا ننسى الهوية والمرتكزات القيمية، لمجرد أن يستمع بعضنا ويتحدث بما سمع وتكون نهايتنا في آخر المطاف، أن نفقد مصداقيتنا أمام العالمين، ويوبخنا لسان التاريخ، وينشأ لدينا جيل لا يتمتع بالمناعة الكافية، لرفض كل ما ينافي فطرته السوية. وعوداً على بدء فحتى مقاصل التشكيك، ومشانق التخوين لم تستطع عبر الزمن أن تلغي فكرة قائمة، مهما كان توجهها ما لم يقابلها فكرة أخرى تساهم في دحضها أو تصحيحها أو تعديل مسارها، وهذا مارواه لنا التاريخ.