للسياسة ظروفها ومتغيراتها وأساليبها وأدواتها.. وللإعلام وظيفته! وفي إطار جمع الشمل العربي ووقف العبث العربي، سعيًا لكيان عربي واحد في مواجهة ما يُحاك بالأمة وما يُجهَّز لها؛ يصبح من الضروري أن يعيد الإعلام العربي النظر في حاله، الذي لم يَعُد في بعض الأقطار العربية يُرضي عدوًّا ولا حبيبًا بالفعل!! وبمناسبة العدو الذي هو في حالتنا العربية "إسرائيل والإرهاب"، يمكن للإعلام العربي أن يُقدِّم ما لديه، وأن يُنافس نفسه في التصدِّي والمواجهة.. في التوعية والبناء.. في اليقظة والانتباه! ما عدا ذلك.. "إسرائيل والإرهاب، أو "الإرهاب وإسرائيل".. آن للإعلام أن يرحم نفسه ويرأف بها، ويرأف بالقارئ والمشاهد والمستمع، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالعلاقات العربية-العربية، وبمعنى أوضح بالعلاقة بين دولة عربية وأخرى، حتى يكون هناك كما يقول خطًّا للرجعة!! رجعة الإعلام لا رجعة السياسة.. فللسياسة كما قلت ظروفها ومتغيّراتها.. وللإعلام مبادئه التي لا ينبغي أبدًا أن يحيد عنها. أُدرك أنه في مواجهة العدو هناك حالة تعبئة للجيوش يمكن أن تسري على الإعلام، وأدرك أن هناك توجيه معنوي يمكن أن يسري على الجميع في مواجهة الأعداء.. لكن وفي الحالة العربية ينبغي أن يكون هناك منطق للأشياء، وأصول في الخلاف، وليس فقط في النقد الذي وصل في بعض الأحيان إلى الإسفاف! في حالة التراشق الإعلامي المتبادل، ينبغي أن يُراعي صاحب القلم أو المايكروفون أنه ليس مجرد "ردّاح" يَسبُّ هذا ويشتم ذاك.. لأنه في الصباح قد تتغيّر الأمور؛ وتُزَال الخلافات العربية-العربية، وتظهر على السطح محاولات لمّ الشمل.. عندها لا يمكن أن يقبل القارئ أو المستمع أو المشاهد من هذا أو ذاك طرحًا مغايرًا كل صباح!! أنت قلت للقارئ أمس أو للمُشَاهِد والمُستمع أن هذه الدولة أو تلك هي رمز الإرهاب الأشر، فكيف يمكن أن تخرج عليهم في صباح اليوم التالي وتقول إنها رمز التسامح والاعتدال؟! والحال نفسه ينطبق على زميلك في الجهة المقابلة! أنت قلت بالأمس أن تلك الدولة فاشلة وأنها ضعيفة وأنها متآمرة، فكيف تأتي اليوم لتُردِّد أنها قوية وأنها مُحبّة؟! إذا هانت عليك نفسك إلى هذا الحد، فضع المُتلقِّين -الذين هم عموم الشعب- في الحسبان! احترم عقولهم وضمائرهم النقية ونزعتهم العربية، وحُبّهم للإخاء وسعيهم للصلة.. صلة الرحم قبل صلة المال والأعمال والسياسة والرياضة.. تصوّر؟! حتى الرياضة دخلت أو أدخلوها على الخط.. وهل ننسى ما جرى وكان بين الشعب الجزائري والشعب المصري بفضل الإعلام، والتراشق المتبادل بين إعلاميي البلدين؟! وهل ننسى حملات مماثلة وصلت إلى حد تخصيص صفحات بل ملاحق صحفية وأعداد كاملة لإثبات أن الدول العربية غير مؤهلة لاستضافة كأس العالم، وأنها لا تصلح لأنها فاشلة.. وقد حدث ذلك في أكثر من صحيفة عربية! حدث ذلك وأقسم لكم أنه حدث، وحدث ما هو أكثر منه، فما الذي سنقوله في هذا الملف غدًا؟! انتقد كما تشاء شريطة أن يكون للانتقاد وجاهته وقيمته، وهاجم كما تشاء شريطة أن يكون الهجوم أخلاقيًا، لا لشيء سوى لأنك تهاجم عربيًا مثلك ومسلمًا مثلك وشقيقًا لك كان حتى أمس معك في محنتك! ارحم نفسك أيها الإعلامي العربي وارحم مهنتك، فللإعلام رسالة في رأب الصدع ولمّ الشمل.. ولأن ذلك كذلك، فأنت بتاريخك ومواقفك، وصياحك وصراخك، وشتائمك ليل نهار لا تصلح لهذه المهمة الآن! الذي شتم والذي سب لا يصلح لأن يخرج في الصباح بكلمات الحب والشوق والهيام.. الذي اتهم ووصل به الاتهام إلى حد القسم بالله العظيم؛ لا يصح أن يتولى مهمة الصلح والبراءة ووقف الانقسام!. هل آن للصغار في كل مجال أن يتوقّفوا قليلاً أو كثيراً أو إلى الأبد؛ حتى يتمكّن الكِبَار من رأب الصدع ولمّ الشمل..؟! ارحموا العقل العربي، وأفسحوا المجال للكبار لكي يُصلحوا الأمور. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain