كان سوق عكاظ عند تأسيسه يقوم على جهود فردية من بيئة شعرية صرفة إذ يعتني النابغة الذبياني بالشعراء ويعد لهم أياما في سوق عكاظ ليحكم بينهم ويختار في كل موسم نابغة لديوان العرب يمنحه بردة ويذيع بين الناس مولد شاعر أو شاعرة. وإذا كان إحياء التراث جزء من مهام الدولة فإن للملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله ريادة في إعادة الأصالة إلى سوق يعد ملتقى العرب الأول شعريا وفنيا وتاريخيا، يقصده المثقفون والمهتمون بشؤون الأدب والثقافة، وعندما كلف الفيصل الدكتور عبدالوهاب عزام بزيارة المنطقة والتحقق من موقع السوق وآثاره الباقية قام بالمهمة وألف كتابه المعروف بعنوان (عكاظ)، وكانت لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز رحمه الله جهود في الدعوة إلى إحياء سوق عكاظ، وفي ذلك قال الشاعر الراحل محمد حسن عواد للأمير فيصل (يا ابن الفهد لقد أحييت مأثرة تدوم هنا منشرة على الدنيا وقد أبدعت ما أبدعت بعد إثارة الأحياء في الرؤيا فمعذرة عن الإيجاز والإسهاب طوع يدي فمهما يدفع الإطناب والأقوال صادقة ومهما يعلن الأفعال من كفيك ناطقة ومهما يهتف الراوون هذا الشبل من ذيالك الأسد وأنك حاشد العلياء في العلياء والسند، وموجد أمة في دار مية ضخمة العدد تذكرنا بغابرة طواها سالف الأمد) واستمرت الدعوة إلى إحياء سوق عكاظ والمطالبة إلى إعادة مجده وسابق عهده، حتى كان ذلك في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله عام 1428هـ بعد غياب استمر حوالى 1300 سنة، وافتتحه نيابة عن خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة الذي كساه ثوبا جديدا مع الحفاظ على ما استودعه أبوه من أصالة، واستمر هذا المشروع عبر تسعة أعوام يظهر في كل نسخة متجددة تطورا جديدا وتحديثا في فعالياته لتكتمل عناصر المدينة الثقافية. ومن إضافات مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل وهو الشاعر والفنان أنه أخرج السوق من كونه حدثا ثقافيا إلى مشروع حضاري متكامل يراعي مختلف جوانب التنمية البشرية ثقافيا، وعلميا، وفكريا، واقتصاديا، واجتماعيا، وتراثيا، وتكاتفت مع طموحات ورؤى الفيصل الجهود المباركة لخدمة الوطن وأسهمت في إنجاحه وزارات وجهات حكومية عدة، منها إمارة منطقة مكة المكرمة، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ووزارة التعليم، ووزارة الثقافة والإعلام، ومحافظة الطائف، وأمانة الطائف، وجامعة الطائف، وأهالي الطائف العاشقون للفن والجمال والورد، وأهدت شركة بن لادن إلى جمهور الثقافة والمثقفين خيمة سوق عكاظ بتكلفة تقدر بنحو 40 مليون ريال، وتمت إقامتها على مساحة تبلغ سبعة آلاف متر مربع ضمن إجمالي مساحة الأرض التي يملكها السوق والبالغة تسعة ملايين متر مربع، فيما تبلغ مساحة الخيمة 2572 مترا مربعا وهي عبارة عن مدرجات مواجهة لصخرة عكاظ التاريخية المعروفة باسم «الأثيداء»، وتتكون من ثلاثة أجزاء، يمثل الجزء الأول المبنى الرئيسي ويشمل الدور الأرضي الذي يحتوي على 3061 مقعدا فضلا عن قاعات انتظار، ومكاتب، وخدمات مساندة، وقاعات محاضرات ومناسبات، فيما الثاني يحتوي على عشرة أبراج موزعة على المبنى الرئيسي وتدعم الشكل المعماري، أما الجزء الثالث وهي الخيمة فهي تغطي المبنى الرئيسي مع المنطقة المقابلة للصخرة، واحتضنت جميع الندوات والأمسيات، وتولت أمانة الطائف خلال الأعوام السابقة تنفيذ 52 مشروعا للسوق بقيمة تتجاوز 29 مليون ريال، منها إعادة تأهيل الجادة بطول كيلو متر ونصف، وإنشاء البوابة، وبيوت الشعر والمخيمات، والمتنزهات، وممرات المشاة والزوار، والسفلتة ومواقف السيارات، وأنظمة الإنارة، والطرق، واللوحات الدعائية، والمسرح الداخلي وصالة الافتتاح الرئيسية، والمسطحات الخضراء، وشبكات الري، ودورات المياه، إضافة إلى أعمال الصيانة الدورية السنوية، وكانت عكاظ ومازالت وستظل وجها سعوديا للتعبير عن حضارة الإنسان هنا وعدم تخليه عن قيدومة المكان وإشراعه نافذة للتواصل مع البشرية من خلال الثقافات المشتركة صورة وصوتا وفنا.