×
محافظة المنطقة الشرقية

صحيفة الشرق – العدد 1489 – نسخة الدمام

صورة الخبر

بين قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة (1947) واحتلال بقية فلسطين ومعها أراض من دول عربية (1967)، مرت عشرون سنة، وانبثقت الثورة الفلسطينية المعاصرة. مر على احتلال الـ 67 ثم اندلعت انتفاضة الحجارة (1987) واستمرت حتى توقيع اتفاق أوسلو (1993)، ثم نشأت السلطة الفلسطينية بموجب ذلك الاتفاق (1995). مرت عشرون سنة أخرى من المفاوضات من دون أن تحقّق شيئاً حتى فيما يتعلق بتنفيذ بنود اتفاق أوسلو، وها هي سنة 2015 تسدل ستارها على انتفاضة فلسطينية لا يختلف اثنان على كونها الحدث الأبرز فلسطينياً في العام المنقضي، وربما في السنوات الأخيرة. الموجة الجديدة من الاحتجاجات التي تشهدها الضفة المحتلة (بما فيها القدس) وقطاع غزة المحاصر والمناطق المحتلة عام 1948، منذ بداية أكتوبر 2015، تميزت بعمليات طعن متكرّرة بالسكاكين نفذّها شبان فلسطينيون، جلّهم ولدوا بعد أوسلو، مثلما كان مشعلو الانتفاضة الأولى (1987 1993) من مواليد ما قبل احتلال الـ 67، فيما برزت كذلك عمليات دهس بالسيارات، وكلتا الوسيلتين تنمان عن سهولة في الانتهاج وانعدام الحاجة لكثير من التخطيط، أو لانتماء تنظيمي. جذور الانتفاضة انتفاضة القدس أو ثورة السكاكين، كما تحلو تسميتها، لم تكن مقطوعة الجذور عن سياق سبقها وتراكم كمي في سياسات وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي أدى للانفجار النوعي. لم يكن ممكناً أن تمر جرائم المستوطنين المحميين من جيش الاحتلال وحكومته، من دون رد فعل، وبخاصة عندما تصل تلك الجرائم حد حرق الأطفال والعائلات في بيوتها. كما أن هذه الانتفاضة جاءت تتويجاً لفعاليات فلسطينية واسعة تضامناً مع الأسرى في سجون الاحتلال، ولاحتجاجات فلسطينية متصاعدة ضد الانتهاكات الصهيونية في القدس والمسجد الأقصى، والتي باتت يومية وأخذت طابع التنفيذ لتوجّه تقسيم المسجد على غرار الحرم الإبراهيمي. ثمة تقرير أعده قسم الرصد والأبحاث في المركز الإعلامي لشؤون القدس والأقصى - كيوبرس يُظهر أن قرابة عشرة آلاف عنصر إسرائيلي اقتحموا المسجد الأقصى منذ بداية 2015 حتى أواخر سبتمبر وهو شهر الذروة قبيل انطلاق الشرارة، فيما تعرّض المسجد إلى أربعة اقتحامات عسكرية كبرى، وتخلّلت الفترة ذاتها اقتحامات شبه يومية للجماعات اليهودية وحاخامات ومسؤولين، وثلاثة اقتحامات متتالية تزامناً مع رأس السنة العبرية. عائلة الدوابشة في 31 يوليو 2015، قام مستوطنون بحرق منزل عائلة الدوابشة في قرية دوما بمحافظة نابلس في الضفة الغربية، ما أدى لاستشهاد الرضيع علي وعمره 18 شهراً وإصابة والديه وأخيه أحمد (4 سنوات) بحروق خطيرة، واستشهد لاحقاً والد الطفل ورب العائلة سعد دوابشة في مستشفى سوروكا في بئر السبع، وأعلن استشهاد الأم ريهام حسين دوابشة لاحقاً في سبتمبر في المستشفى. وكانت تلك الجريمة من أهم الظروف الممهّدة لانفجار الأوضاع على شكل انتفاضة. حرق عائلة الدوابشة لم يكن حدثاً فردياً معزولاً، بل له سابق ولاحق من الجرائم، وهو تعبير عن نهج وأيديولوجيا ترى العربي الجيد هو العربي الميت، حسب غولدا مائير ومجرد رقم وفق إيهود باراك. ففي الثامن والعشرين من نوفمبر هاجم مستوطنون قرية مادما جنوب نابلس، وهددوا الأهالي بتنفيذ عمليات حرق ضدهم، كما حدث مع عائلة دوابشة والطفل محمد ابو خضير الذي خطفه مستوطنون أحرقوه حيّاً. وفي تناغم كامل مع عدوان المستوطنين، وفي مكان قريب، طردت قوات الاحتلال قاطفي الزيتون من أراضيهم المحاذية للمستوطنات في قرية بورين التي أحبط أبناؤها محاولة اعتداء عليهم من جانب المستوطنين. اعتداءات المستوطنين لا تقتصر على منطقة بعينها، فهي تكاد تعم جميع أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس والخليل، المدينتان الوحيدتان اللتان يتواجد المستوطنون داخلهما، بل إن عددهم في القدس المحتلة زاد قبل بضع سنوات عن عدد الفلسطينيين. كثيرة هي الشواهد الماثلة للعيان التي تؤكد أن اعتداءات المستوطنين تتم دائما تحت حراسة وحماية جيش الاحتلال وبتغطية رسمية من حكومته. وتتعدد أشكال اعتداءات المستوطنين بين مهاجمة المساكن وحرق المساجد وكتابة شعارات عنصرية وتهديدات على جدرانها، وتخريب سيارات فلسطينية، ولاسيما في القدس والخليل ومناطق الـ 48. ولا يسلم موسم الزيتون من هذه الاعتداءات، سواء عبر حرق الأشجار أو اقتلاعها، أو من خلال سرقة المحصول من المزارعين بقوة السلاح.