لا تتضرر صورة الأمة وسمعتها بأكثر من الضرر الآتي من أهلها وأبنائها. فإن هُم فعلوا ذلك ولو بحسن نية، كانت الفرصة سانحة أكثر لغيرهم للانقضاض والإجهاز عليها ولا يمكن ساعتئذ أن نلومهم. أظنكم تعلمون عما اتحدث، اتحدث عن الشعائر الحسينية التي تتفنن الصحف والمجلات ووسائل الإعلام بنقل احداث ليلة ويوم عاشوراء لما يجري في «بعض» الحسينيات حول العالم وفي الكويت. فقد نقلت وسائل الإعلام قبل يومين، مناظر التطبير وصِور الدماء بحجة الشعائر الحسينية، وهي كما يعلم الجميع مناظر مخيفة ومزعجة من دون شك، وهو ما اريد التحدث عنه اليوم. دعونا نقسم النقاش إلى أبواب، حسب الأسئلة التالية: هل توجد حقيقة شعائر؟ وهل الالتزام بها من الدين والمذهب؟ الشعائر الحسينية هي بالأصل انفعالات عاطفية تظهر على محبي أهل البيت والحسين عليه السلام. فالتفاعل الكبير لفاجعة كربلاء تجعل من الإنسان يفقد توازنه ويصل لحد الجزع والبكاء وربما لأكثر من ذلك. هذه الانفعالات العاطفية يشعر بها كل من سمع أو حضر واعية الحسين عليه السلام، لذلك من الطبيعي جداً أن يتفاعل الانسان لا ارادياً مع حادثة مريعة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها. كل الروايات والقصص التاريخية نجدها تعكس الواقع العاطفي والشعوري، لما جرى وللتعبير عن حالة الجزع والحُزن الشديد. لكن مع ذلك تظل ضمن حدود ولا تخرج ولا تصل إلى بعض المعالم والمشاهد التي نجدها في بعض الدول ولدى بعض الفرق الشيعية. فالتطبير وشج الظهر بالسكاكين والمشي على الزجاج وخلافه، فهذه كلها أمور لم تكن من تصرفات الأئمة، لكنها أُدخلت في الشعائر بعد ذلك في فترة زمنية لاحقة، خصوصاً إبان الحكم الصفوي والبويهي واستمرت إلى يومنا هذا. يتمسك البعض بما ذكرته كُتُب المقاتل، بأن زينب سلام الله عليها أدمت نفسها حينما ضربت رأسها بعمود الخيمة لحظة جزعها على أبو عبدالله (ع). حتى هذه القصة تحتمل ثلاثة جوانب: الأول أن القصة ليست موثقة تماماً على اعتبار أنها لم تأت متواترة ولم تتفق كلمة المؤرخين على وقوعها حقيقة، خصوصاً إن أضفنا لذلك وصايا الامام الحُسين لأخته بالصبر «لا تشُقي عليَّ جَيباً، وَلا تخمشي عليَّ وَجهاً، وَلا تدعي عليَّ بالويلِ والثبورِ إذا أنا هلكت». بالنتيجة، إما أن القصة غير دقيقة، أو الحوراء خالفت وصايا وتعليمات الامام الحسين (ع). وثانياً، تظل زينب - عليها السلام - ليست من أصحاب الكساء ولا الاثنا عشر معصوماً (رغم قول الإمام زين العابدين بحقها بأنها «عالمة غير معلمة»)، ويتوقع منها أن تنهار في لحظات يصعب أن تتحملها الجبال الرواسي. أما الأمر الثالث، وعلى فرض صحة وقوعها، فهل كل عمل حصل بتلك الفترة يصلح لتكون على طول الخط عملاً مستحباً؟ دعني اضرب مثلاً أوضح ودعني اختار الإمام المعصوم، حيث لا شك أن أعماله حجة على الشيعة. هل امتلاك الموالي والعبيد كحال الإمام زين العابدين يظل سارياً إلى اليوم؟ من الطبيعي أن الأيام والأحوال تغيرت، فما كان يصح ذاك الزمان قد لا يصح اليوم. نعم لو تغيرت الظروف وعاد زمن العبودية واستخدم العدو ذلك، لعاد الاسلام للتعامل بالمثل. لكن ماذا لو انتفت الحاجة وتغيرت الظروف، خصوصاً وأن الأعداء اليوم بيدهم وسائل إعلامية ضخمة وشبكات اجتماعية ومليارات الدولارات، مما يسهل عليهم تشويه صورة الدين والعقيدة. أما ما يخص السؤال الثاني (هل هذه الشعائر من الدين)، فإن كانت الشعائر الحسينية بمعنى حضور المجالس والتثقف الديني ومواساة أهل البيت بأحزانهم وأفراحهم في شكل يحفظ كرامة ومنزلة وصورة العقيدة والمذهب واحيائه في النفوس وابقاء شُعلة الدين حية تنبض، فهذا مما لا شك فيه من الأمور والأعمال الصحيحة والمستحبة والذي يدفع بها الشارع المقدس. أما أن يربط البعض ويحذر بعدم المساس بشعائر المغالاة كالتي نراها اليوم (والتي يحرمها الكثير من العلماء) بحجة أنها الفاصل بين التشيع والتدين من عدمه، فهذا ما يمكن تسميته بـ «الفوبيا المذهبية». hasabba@