×
محافظة المنطقة الشرقية

منتدى الرياض لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب : التطرف آفة عالمية وجميع الأديان عانت من جماعات العنف

صورة الخبر

لا سلاح أكثر فاعلية ضد الحاكم المستبد من الإضراب عن الطعام. وهذه حقيقة مجرّبة ومعروفة عبر التاريخ، ومهاتما غاندي وأندريه ساخاروف شاهدان على ذلك. لكن أكثر من خبرها عند العرب في زمننا المعاصر، السجناء الفلسطينيون إذ تُبقي إسرائيل في سجونها في شكل دائم واحداً من أصل خمسة فلسطينيين منذ احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية في 1967. هيئة دعم السجناء لحقوق الإنسان (الضمير) تقول إن أكثر من 5000 سجين سياسي يقبعون في سجون إسرائيل بينهم 155 سجيناً من دون محاكمة أو تهمة. وزارة العدل الإسرائيلية نفسها توثّق في ملفاتها الظروف السيئة التي يعيشها السجناء الفلسطينيون بما في ذلك تعرضهم «لإجراءات عقابية لا يتحملها الإنسان»، من «الحبس الانعزالي إلى الضرب المبرح». الإضراب الراهن هو الأكبر منذ الاحتلال وطلبات سجنائه لم تتغير: تحسين ظروف الاعتقال ومعاملة إنسانية أفضل. على عكس ما سبقه، الإضراب الحالي اكتسب شهرة واسعة في أرجاء العالم وحتى في الولايات المتحدة بنشر صحيفة «نيويورك تايمز» في 16 أيار (مايو) الجاري مقالاً في صفحة الرأي لأبرز السجناء مروان البرغوثي بعد تسريبه من سجنه في منطقة حادريم قرب حيفا. وحقيقة أن تنشر صحيفة كـ «نيويورك تايمز» رأي البرغوثي في تجربته في السجن مدة 15 سنة متوالية، أمر مهم وغير عادي. فهي تشير إلى امتعاض شديد بدأ يتراكم في السنوات الأخيرة ضد سياسة إسرائيل الباطشة في الأراضي المحتلة على يد حكومة بنيامين نتانياهو. هذا الأخير لم يستطع إخفاء غضبه بعد نشر الصحيفة للمقال، لا سيما كشفها عن سياسة حكومته الرعناء والظالمة ضد شعب محتل لا حدود لاضطهاده، بخاصة وجود سياسة مزدوجة: واحدة تقضي بتوجيه التهم للفلسطينيين نتيجة قيامهم بأي مظهر احتجاجي، وأخرى تحمي الإسرائيليين الذين يقومون بأعمال إجرامية ضد الفلسطينيين. هذه المرة، المضربون عن الطعام يطالبون بمطالب أساسية مثل السماح بزيارات أسرية أكثر وعناية صحية أفضل وإنهاء الحبس الانفرادي وفتح سبل التعليم أمام السجناء. لا يتوقع أحدٌ أن يستجيب الجلاد لطلبات سجنائه، كما لا يتوقع أحد أن يُجبِر الإضراب عن الطعام السلطات الإسرائيلية على أن تستجيب، أو أن تغير سياستها الباطشة عندما يتعلق الأمر بالسجناء الفلسطينيين. فحكومة نتانياهو تؤكد يوماً بعد آخر عدم اكتراثها بما يقول العالم عنها وعن سياستها الظالمة ضد الفلسطينيين. لكن في كل الأحوال، هذا النوع من الإضراب يهدف في المحل الأول إلى إيصال رسالة ذات معنى لحكومة نتانياهو والرأي العام الإسرائيلي في آن، مفادها أن للفلسطينيين حقوقهم الأساسية في الحرية والاستقلال، مثلهم في ذلك مثل أي شعب آخر. يضاف إلى ذلك أن الإضراب الراهن عن الطعام أثار قدراً كبيراً من العواطف والتأييد وعلى نطاق واسع، والأهم أنه أثبت وجود حالة نادرة من الوحدة الوطنية بين الفلسطينيين كانت مفقودة قبل حين. البرغوثي السجين هو نفسه (قبل أن يكون السياسي والمناضل إلخ...) يقدم مثالاً دقيقاً للضحية/الشاهد عن نظم إسرائيل غير الشرعية التي تسمح بعمليات الاعتقال الواسعة من دون رادع والمعاملة المتوحشة ضد السجناء. لا سابقة لهذا النوع من الوحشية راهناً منذ نظام «الأبرتايد» في جنوب أفريقيا وتعرض الراحل نيلسون مانديلا وآلاف السجناء السود غيره لمعاملة متوحشة في عهد نظام الفصل العنصري. مانديلا نظّم إضراباً عن الطعام شارك فيه مئات من رفاقه السجناء في 1966، بعد عامين من صدور حكم عليه بالسجن المؤبد. إضرابهم كان عملياً حركة احتجاج سياسية ضد نظام «الأبرتايد» الذي كان بمثابة إهانة للإنسانية. السلطات حاولت كثيراً كسر إرادة المضربين مستخدمة وسائل شتى تخرق القوانين الدولية، ولكنها لم تنجح، بل أكدت حركة الاحتجاج فاعلية الإضراب عن الطعام في التأثير في الرأي العام في أرجاء العالم. الإرلنديون أيضاً قدموا نموذجاً آخر عن الاحتجاج من خلال الإضراب عن الطعام، كان له الأثر الكبير في تعزيز نضالهم ضد الحكم البريطاني. إضرابات الجمهوريين الكاثوليك في سجن ميز السيئ الصيت في إرلندا الشمالية في 1980 و1981 في عهد الراحلة مارغريت ثاتشر، كان لها صدى ملأ أرجاء بريطانيا وساهم لأول مرة في خلق رأي عامٍ قوي احتضن حزب «شين فين» الجمهوري بزعامة جيري آدامز والراحل مارتن ماكغينيز. الإضراب عن الطعام الأول استمر مدة 53 يوماً حذر الجمهوريون خلاله في بيان في شباط (فبراير) 1981 من أنهم سينظمون إضراباً آخر ما لم تعاملهم سلطات السجن البريطانية «كسجناء سياسيين وليس مجرد مجرمين». وكان ذلك البيان مقدمة لانطلاق الإضراب الثاني في الأول من آذار (مارس) 1981 الذي قاده زعيم فرع الجيش الجمهوري الإرلندي في سجن ميز، بوبي ساندس. واستمر ذاك الإضراب سبعة أشهر وانتهى في 3 تشرين الأول (أكتوبر)، بعد وفاة ساندس وتسعة آخرين من رفاقه جوعاً. ذلك الإضراب التاريخي الذي كانت أخباره تنتقل عبر القارات طوال أشهره السبعة، أكد أن حزب شين فين (الذراع السياسية للجيش الجمهوري الإرلندي) بات قوة سياسية رئيسية في إرلندا الشمالية. الإضراب عن الطعام في المسألة الإرلندية كان سلاحاً فعالاً في حركة المقاومة ضد الحكم البريطاني. هكذا بلغ عدد تلك الإضرابات 21 إضراباً بين 1917 و1981. وأظهرت وثائق بريطانية رسمية لاحقاً كُشِفَ عنها رسمياً، كيف أن ثاتشر بعثت رسائل شخصية إلى أسر جميع من سقطوا نتيجة آخر إضراب عن الطعام في 1981. لكن عندما يتعلق الأمر بالسجناء الفلسطينيين، فإن حكومات إسرائيل المتعاقبة لم تفشل فحسب في إظهار أي تعاطفٍ مع أسر السجناء، بل إنها ترفض بعجرفة نزقة حتى الاعتراف بوجودهم. ووفقاً لإحصاءات مختلفة محلية ودولية، هناك أكثر من 800 ألف فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، اختبروا تجربة الاعتقال ودخلوا السجون الإسرائيلية، منذ الاحتلال في 1967. فهؤلاء بالنسبة لإسرائيل، إرهابيون أو معتقلون إدارياً بتهم دعم الإرهاب. المهم أن رسالة البرغوثي تؤكد أنه مهما بلغ شأو الاحتلال، فإنه لن ينجح في كسر روح المقاومة لدى من يتعرض لجوره.